واللهِ لو كنتَ مع غيري، ثم أرسلَكَ على رجليك لخرجتَ تشتدُّ. فقال الشيخ: يا مُهَلَّب، أتمنُّ علينا بحلمك، ونحنُ واللهِ نُكافئُك، بل نزيد عليك، أما تعلمُ أنَّا نُعَرِّضُ أنفسَنا للقتل دونَك، ونحميك من عدوِّك، ولو لم تحلُم عنَّا جعلناك بيننا وبين عدوِّنا، ووقَينا أنفسَنا بك، ولو كنتَ ممَّن يبعثُنا في حاجة فنمشي على أرجلنا، ثم احتاجَ إلى قتالنا؛ جعلناه بينَنا وبين عدوِّنا. فقال المهلَّب: صدقتَ.

ثم بعث فتًى من الأَزْد إلى خالد بن عبد الله يخبرُه بخبر أخيه، فأقبلَ الفتى إلى البصرة، فوجدَ خالدًا جالسًا بين الناس وعليه جُبَّةُ خَزّ، ومِطْرَفُ (?) خَزِّ أخضر، فسلَّم عليه، فردَّ وقال: ما جاء بك؟ قال: رأيتُ أخاك عبد العزيز مهزومًا برامَهُرْمُز (?). فقال: كذبتَ. فقال: احْبِسْني حتَّى يتبيَّن لك، فإن كُنْتُ كاذبًا فاضْرِبْ عنقي، وإنْ كُنْتُ صادقًا فأعطني جُبّتَك ومِطْرَفَك. فقال خالد: ما أيسرَ ما سألتَ، ولقد رضيتَ مع الخطر العظيم بالحقير الصغير. وحبَسَه حتَّى تَبيَّنَ الخَبَر، وكتبَ إلى عبد الملك يقول: بعثتُ أخي عبدَ العزيز في طلب الخوارج، فالتَقَوْا بفارس، فاقتتلوا، وانهزم الناسُ عن أخي، وقُتل مالك بن مِسْمَع.

فكتب إليه عبد الملك: وقفتُ على كتابك، وعرفتُ ما ذكرتَ، وسألتُ رسولَك عن مكان المهلَّب، فقال: هو عاملُ الأهواز. فقبَّح اللهُ رأيَك حيث تبعثُ أخاك أعرابيًّا من أهل مكة على القتال، وتدعُ المهلَّبَ إلى جنبك يجبي الخَرَاج، وهو الميمونُ النَّقِيبَة، الحَسَنُ السياسة، البصيرُ بالحرب، المقاسي لها، فلا تعمل بعدها برأي حتَّى يحضره المهلَّب وتستشيره فيه، وقد كتبتُ إلى أخي بِشْر أن يُمِدَّكَ من الكوفة بخمسة آلاف، والسلام.

فلما قرأ خالد كتابَه شَقَّ عليه حيث قبَّح رأيَه في بعث أخيه، وفي أمره له أنْ يستشيرَ المُهَلَب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015