ولما اشتهر حديثُه [ووَجْدُه بها] شكاه أبوها إلى معاوية، وقال: زوَّجتُه إيَّاها، فطلَّقَها وفضحني، فكتب له إلى مروان [بن الحكم]-وكان عاملَه على المدينة- بإهدار دمه، فرحلَ قيس إلى يزيد بن معاوية، فمدحه وشكا إليه حاله وما يلْقَى، فرَّق له، وأجازه، ووصلَه، وأخذ له كتاب أبيه إلى مروان بالأمان، وأن يُقيم حيث أحبُّ، فأتى محلَّةَ أهلها، فنزل عن راحلته، وتتبع مواطئ [أقدام] بعيرها، وجعل يمرِّغ خدَّيه ويبكي ويقول:
إلى الله أشكو فَقْدَ (?) لُبْنَى كما شكا ... إلى الله فَقْدَ الوالدَينِ يتيمُ
يتيمٌ جفاه الأقربون فعهدُه ... جديد وعهدٌ بالديار قديمُ (?)
بَكَتْ دارُهُمْ من بُعْدِهمْ (?) فتهَلَّلَتْ ... دموعي فأيَّ الجازِعَينِ ألُومُ
أفي العَدْلِ هذا أنَّ قلبكِ فارغٌ ... صحيحٌ وقلبي فِي هواكِ سقيمُ
وبلغ زوجَها، فحَجَبَها عن الخروج، وكان أبوها قد زوَّجها، فقال (?):
فإنْ يَحْجُبُوها أو يَحُلْ دون وصلِها ... مقالةُ واشٍ عند كلِّ أميرِ
فلن تمنعوا عينيَّ أن تذرفَ الدِّما ... ولن يُذْهِبوا ما قد أَجَنَّ ضميري
إلى الله أشكو ما أُلاقي من الهوى ... ومن حُرقٍ تعتادني بزفيري (?)
وكُنَّا جميعًا قبل أن يظهر الهَوَى ... بأنعم حالِ غِبْطةٍ وسرورِ
فما بَرحَ الواشون حتَّى بدت لنا ... بطونُ الهوى مقلوبةً لظهور (?)
[وقال هشام: ] فرمى بنفسه على الحسين وعبد الله بن جعفر وابن أبي عتيق بأن يكلِّمُوا زوجَها، فدفع عبد الله بنُ جعفر لابن أبي عتيق عشرة آلاف درهم وكسوة وقال: اخرجْ إلى زوجها فكلِّمه. فخرج إليه فما زال حتَّى فارقها وأخذ المال، فقال قيس [يمدح ابن أبي عتيق]:
جزى الرحمنُ أفضلَ ما يجازي ... على الإحسانِ خيرًا من صديقِ