يُصرِّفُ بالقول اللسانَ إذا انتحى ... وينظر فِي أعطافه نَظَرَ الصَّقْرِ (?)
وقال معاوية يومًا -وعنده جماعة من بني هاشم؛ فيهم ابنُ عباس-: يا بني هاشم، بابي لكم مفتوح، وخيري لكم ممنوح، فلا يقطعُ خيري عنكم علَّة، ولا يمنعُ بابي دونكم مسألة، إنكم ترون أنكم أحق بما فِي يدي منّي، فإذا أعطيتُكم عطيَّة فيها قضاءُ حقوقكم؛ قلتُم: أعطانا دون حقِّنا، وقصَّر بنا عن قَدْرِنا، فصرتُ كالمسلوب، والمسلوبُ لا حَمْدَ له.
فقال له ابنُ عبَّاس: واللهِ ما منَحْتَنَا شيئًا حتَّى سألناه، ولا فتحتَ لنا بابًا حتَّى قَرَعْناه، ولئن قطعتَ عنَّا الخير؛ فاللهُ أوسعُ خيرًا منك. ولئن أغلقتَ بابك دونَنا لنكفَنَّ أنفسنا عنك، ومالك فِي هذا المال إلَّا ما لرجل من المسلمين، ولنا فِي الفيء والغنيمة حقٌّ بكتاب الله تعالى، ولولا ذلك لما أتيناك (?).
[وقال الهيثم بن عدي: دخل ابن عبَّاس على معاوية وعنده الناس على طبقاتهم، فقال معاوية: رحم الله أبا سفيان والعبَّاس، فلقد كانا صديقين صَفِيَّينِ، فحفظتُ الميتَ فِي الحيّ، والحيَّ فِي الميّت. يا ابن عبَّاس، استعمَلَك عليٌّ على البصرة، واستعملَ أخاك عبيد الله على اليمن، وأخاك قثم على المدينة. فلما كان من الأمر ما كان هَنَأتُكم ما فِي أيديكم، ولم أكشف عمَّا وَعَتْ غرائزكم، وقلت: آخذ اليوم منهم وأعطيهم غدًا مثله، وعلمتُ أن يد اللوم تضرُّ بعاقبة الكرم، ولو شئتُ لأخذتُ بحلاقيمكم (?)، فقيَّأُتُكُم ما أكلتُم، ثم لا يزال يبلغُني عنكم ما لا يترك له (?)، وذنوبكم إلينا أعظم من ذنوبنا إليكم، خذلتم عثمان، وقتلتُم أنصاره يوم الجمل، وحاربتموني يوم صفّين، ولعمري إنَّ بني تيم وعديّ أعظم ديونًا منّا إليكم إذْ صرفوا هذا الأمر عنكم، وسنُّوا فيكم هذه السيرة، فحتى متى أُغضي الجفونَ على القَذَى، وأسحبُ الذيول على الأذى؟