فقالت الخوارج: فبرئ اللهُ منك يا عدوَّ الله. قال: وبرئَ اللهُ منكم يا أعداء الله.
ثم تفرَّقوا في البلاد، فبعضُهم تولّى البصرة، وبعضُهم اليمامة، وبعضهم هَجَر، وكانوا زيادةً على عَشَرة آلاف، ورؤساؤهم نافع بنُ الأزرق الحنظليّ، وعبدُ الله بن صفَّار السَّعْديّ من بني صَرِيم بن مُقاعس، وعبدُ الله بن إباض، وحنظلة بن بَيْهس، وأبو طالوت من بني زِمَّان (?)، وغيرهم، ثم خرجوا بعد ذلك على الأمراء.
وسنذكر ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى.
وفيها هدم ابنُ الزُّبير الكعبة وبناها:
لمّا ارتحل الحُصين بن نُمير عن مكة لخمس ليالٍ خلون من شهر ربيع الأوَّل، سنة أربع وستين أمرَ عبدُ الله بنُ الزبير بتلك الأخصاص (?) التي حول الكعبة فهُدمت، فبَدَتِ الكعبةُ، وكَنسَ المسجدَ، وأزال ما فيه من الحجارة والدِّماء.
وقد وهت الكعبة من أعلاها إلى أسفلها من حجارة المنجنيق، فإذا الرُّكن قد اسودَّ واحترق من النار التي كانت حول الكعبة.
فشاورَ ابنُ الزبير الناس في هدمها وإعادة البناء، فأشار عليه جابرُ بن عبد الله وعُبيد بن عُمير وغيرُهما بذلك، وأبي عليه عبد الله بنُ عباس وقال: أخشى أن يأتي بعدك من يهدمُها، فلا تزال تُهدمُ حتى يتهاونَ الناسُ بحرمتها، إنه قد فَرَقَ (?) لي فيها رأيٌ، أرى أن تُصلحَ ما وَهَى منها، وتدعَ بيتًا أسلمَ الناسُ عليه، وأحجارًا بُعث رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عليها. فقال ابنُ الزُّبير: لو أنَّ أحدَكم احترقَ بيتُه، ما رضيَ حتى يجدِّدَه، فكيف ببيت ربكم؟ ! إني مستخيرٌ ربي ثلاثًا، ثم عازمٌ على أمر.