فمشَوا إليه وقالوا: أيها الإنسان، إنَّا قاتَلْنا معك ظنًّا أنَّك على رأينا, ولم نبحث معك، فأخْبِرْنا عن رأيك في عثمان. فنظر، فإذا حولَه من أصحابه قليل، فقال لهم: موعدُكم العشيَّة لأُخبركم من ذلك بما تريدون.

فانصرفوا، فأمر أصحابَه بلبس السلاح، وأن يأتوه العشيَّة، ففعلوا، وجاءت الخوارج، فرأوا أصحابه حوله سِماطَيْن (?)، وعليهم السلاح، وجماعة من عنده وأشراف أصحابه قيام على رأسه بالأعمدة، فلما رأَوْا ذلك قال نافع بن الأزرق لأصحابه: خشيَ واللهِ غائلتكم، وقد أزمعَ على خلافكم فاستعدَّ لكم.

فدنا منه نافع وقال له: يا ابنَ الزبير، اتَّقِ ربَّك، وأبغضِ الجائر (?) المستأثر الذي أوَّل مَنْ سنَّ الضلالة، وأحْدَثَ الأحداث، وخالفَ حكم الكتاب، وإن خالفتَ فأنتَ من الذين استمتعوا بِخَلَاقهم.

ثم قال: قُم يا عبيدة بن هلال، فَصِفْ لهذا الإنسان أمرَنا الذي نحن عليه، وندعو إليه الناس. وكان عبيدة من الفصحاء.

فتقدَّم فخطبَ خطبةً بليغة، ذكرَ فيها سيرةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخليفتين بعدَه، ثم قال:

فقام عثمان فحمى الأحماء، وآثر الأقرباء، واستعمل الفتيان، وآوى طريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحرقَ الكتاب، وخالف السنن, وفعل ما فعل، فسارت إليه طائفةٌ من المسلمين، أخذ الله ميثاقَهم على طاعته، لا يخافون في الله لَوْمَةَ لائم، فقتلوه، فنحن لهم أولياء، ومن ابنِ عفَّان وأوليائه بُرَآء، فما تقول أنتَ يا ابنَ الزُّبير؟

فحمد اللهَ ابنُ الزبير، وصلَّى على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: قد علمتُ ما وصفتَ به رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - والخليفتين بعدَه، فلقد وُفِّقتَ وأصبتَ. وأمَّا ابنُ عفَّان، فإني لا أعلمُ أحدًا من خلق الله أعلمَ بمكانه وأمرِه منِّي، فإني كنتُ معه حين نَقَمُوا عليه واستَعْتَبُوه، وقد أجابَ عن جميع ما نَقَمُوا به، فما سمعوه منه، وقتلوه، وإنَّني وليُّ مَنْ والاه، وعدوُّ مَنْ عاداه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015