فقلت في نفسي: والله ما تمثَّل بهذين البيتين إلا لأمرٍ يُريده، فما مكثَ إلا يومين حتى خرجَ إلى مكة.
قال أبو مخنف (?): ولَمَّا خرج إلى مكة قرأ قوله تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَال رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 21]. ولما دخل مكة قرأ قوله تعالى: {قَال عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} [القصص: 22].
ولما خرج الحسين رضوان الله عليه من المدينة لقيه عبدُ الله بنُ مطيع، فقال له: إلى أين يا أبا عبد الله؟ جُعلتُ فداك، فقال: إلى مكة. فقال له: إياك وأهلَ الكوفة، فإنها مَدَرَة مشؤومة (?)، قتلَ أهلُها أباك، وخَذَلُوا أخاك، فالحزمَ الحزمَ، فإنك سيِّدُ العرب، ولن يعدلَ بك أهلُ الحجاز أحدًا. وسيتداعى الناس إليك من كل جانب، فلا تفارقْ حرمَ الله تعالى، فواللهِ لئن هلكتَ لَنُسْتَرَقَنَّ بعدَك كلُّنا.
وأما ابنُ الزبير فإنه سبق الحسين إلى [مكة]، وبها عَمرو بنُ سعيد الأشدق، فبعث إليه عَمرو فقال: ما الذي أقدمك؟ فقال: جئتُ عائذًا بالبيت. فكان ناحية عن الناس لا يصلِّي بصلاتهم، ولا يقفُ معهم (?).
وأقبل الحسين - رضي الله عنه - بعدَه بيومين، فنزل مكة، وأقبلَ الناس يُهرعون إليه من كلّ مكان، وابنُ الزُّبير قُدَّامَ البيت يصلّي عندَه عامَّةَ النهار، ويطوفُ بالبيت، ويأتي الحسينَ - رضي الله عنه - كلَّ يوم يُسَلِّمُ عليه، وعَمرو بن سعيد كافٌّ عنهما.
وبعث الوليد إلى ابن عمر، فقال له: بايع ليزيد، فقال: إذا بايع الناسُ بايعتُ.
فتركوه لأنهم كانوا يأمنونه (?).