وكان مخرجُ ابن الزُّبير ليلة السبت لثلاث بقين من رجب، سنة ستين قبل مخرج الحسين - رضي الله عنه - بليلة، وبعثَ الوليدُ في أثرِه الرجال، فلم يقدروا عليه، واشتغلوا به عن الحسين، فخرَج الحسين - رضي الله عنه - ليلةَ الأحد بأهله ومواليه وإخوتِه وبني أخيه، وجميعِ أهل بيته إلا محمد بن الحنفية، فإنه لم يخرج معه وقال له: يا أخي، أنتَ أحبُّ الناسِ كلِّهم إليَّ، وأعزُّهم عليَّ، وأنت أحقّ بالنصيحة من سائر الناس، تنحَّ ببيعتك (?) عن يزيد بن معاوية عن (?) الأمصار ما استطعت، ثم ابعَثْ رُسُلك إلى الناس، فادْعُهم إلى نفسك، فإنْ بايعوك؛ حَمِدْتَ الله، وإن أجمعوا على غيرك لم يَنْقُصْ ذلك دينَك ولا عقلَك، ولا تذهبُ مروءتُك ولا فضلُك، وإني أخافُ أن تدخل مصرًا من الأمصار، أو تأتيَ جماعة من الناس، فيختلفون، فطائفةٌ معك، وأخرى عليك، فيقتتلون، فتكون لأوَّل الأَسِنَّة، فإذا خيرُ هذه الأمة نَفْسًا وأبًا وأُمًّا أضْيَعُها دمًا، وأذلُّها أهلًا! فقال له الحسين - رضي الله عنه -: يا أخي فإني نازلٌ مكةَ. فقال: نعم، فإن اطمأنَتْ بك الدار فنَعَمْ، وإنْ نَبَتْ بك؛ لَحِقْتَ بالرِّمال، وشَعَفِ (?) الجبال، وخرجتَ من مكان إلى مكان، حتى تنظر إلى ما يصيرُ أمرُ الناس. فقال: جزاك اللهُ يا أخي خيرًا، فلقد نَصَحْتَ وأشْفقْتَ، وأرجو أن يكون رأيُك موفَّقًا إن شاء الله تعالى.
وقال أبو سعيد المَقْبُرِيّ: رأيتُ الحُسين داخلًا مسجد المدينة معتمدًا على رجلين، وهو يتمثَّل بقول ابنِ مُفَرِّغ:
لا ذَعَرْتُ السَّوامَ (?) في فَلَق الصُّبْـ ... ـحِ مُغِيرًا ولا دُعيتُ يَزِيدا
يومَ أُعْطِي من المَهابَةِ ضَيمًا (?) ... والمنايا يَرْصُدْنَني أن أَحِيدا