وحكى ابن سعد عن الواقديِّ (?) قال: كان زيدٌ يكتب الكتابَين: العربية والعبرانية جميعًا، وأول مشهدٍ شهده زيدٌ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الخندقُ، وهو ابن خمس عشرة سنةً، وكان مِمَّن ينقلُ التراب يومئذٍ مع المسلمين، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما إنَّه نِعمَ الغُلامُ".
وغلبته عيناهُ يومئذٍ، فرقَدَ، فجاء عُمارةُ بن حَزْم، فأخذ سلاحَه وهو لا يشعر، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا رُقاد، نِمْتَ حتى ذهبَ سلاحُك! ".
وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ له علمٌ بسلاحِ هذا الغُلامِ؟ " فقال عُمارةُ بن حَزم: أنا. فردَّه، فنهى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أن يُروَّعَ المؤمنُ، أو أن يؤخذَ متاعُه لاعبًا جدًّا (?).
قال: وكانت رايةُ بني مالك بن النجَّار يومَ تبوك مع عُمارة بن حَزْم، فأدركَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأخذَها منه، فدفعَها إلى زيد بن ثابت، فقال عُمارةُ: يا رسولَ الله، بلغَك عني شيء؟ فقال: لا، ولكنَّ القُرآنَ يُقَدَّمُ. وكان زيدٌ أَكثر أَخْذًا منك للقرآن (?).
وقال هشام: قال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا زيدُ، إنه يأتيني كُتُبٌ بالعبرانية والفارسية والرومية والقِبطية، ولا أُحبُّ أن يقرأَها كلُّ أحد، فتعلَّمْ هذه اللغات". قال: فأتقنها في ثمان عشرة ليلةً. فعجبتِ الصحابةُ منه.
وقد أخرج أحمد في "المسند" بمعناه، ولم يذكر غيرَ السريانية، وأنَّه حفظها في سبعَ عشرةَ ليلة (?).
وقد ذكرنا في السنة الثانيةَ عشرةَ أن أبا بكر - رضي الله عنه - أمره أن يجمعَ القُرآنَ، فجمعه.
وحكى ابن سعدٍ عن نافع أنَّ عمر بنَ الخطاب - رضي الله عنه - استعمل زيدًا على القضاء، وفرضَ له رِزْقًا (?).