طريق آخر: قال الإمام أحمد رحمة الله عليه: حدثنا سفيان، عن سليمان بن أبي مسلم، أنَّه سمع سعيد بن جُبير قال: قال ابن عباس: يومُ الخميس، وما يومُ الخميس؟ ثم بكى حتى بلَّ دمعُه الحصى، قلنا: يا أبا العباس، وما يومُ الخميس؟ قال: اشتدَّ المرضُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ايْتُوني أَكْتُب لكُم كِتابًا لا تضلُّوا بعدَه أَبَدًا" فتنازعوا، وما ينبغي عند نبيًّ تنازعٌ، فقالوا: ما شأنه؟ أهجر؟ اسْتَفْهِمُوه، فذهبوا يعيدون عليه، فقال: "دَعُوني، فالذي أَنَا فيه خيرٌ مِمَّا تَدعُوني إليه" وأمرهم بثلاث فقال: "أَخرِجُوا المشركينَ من جزيرةِ العَرَب، وأَجيزُوا الوَفْدَ بنحو ما كنتُ أُجيزُهم"، وسكتَ سعيد عن الثالثة، فلا أدري أسكت عنها أو نسيها (?)؟ وقد أخرج الحميدي هذا الحديث، وفيه: فقالوا: ما شأنه؟ فقال عمر: إن الرجل ليهجر (?).
قال المصنف رحمه الله: والظاهر من حال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه أنه لا ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا، ولعلَّه من تحريف الرواة، ويحتمل أن يكون معناه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليهجركم، من الهجر الذي هو ضد الوَصْل لما قد ورد عليه من الواردات الإلهية، ولهذا قال: "الرَّفيقَ الأَعلَى" أَلَا ترى إلى قوله: "قُوموا عنَّي، فما أنا فيه خيرٌ مما أنتم فيه".
وقال القاضي عياض: لا يصح أن يَهْجُرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو معصوم، لأن الهجر ما لا حقيقة له، وأنه لا يقول في الصحة والمرض والنوم واليقظة والرضى والغضب إلا حقًا، قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)} (?) [النجم: 3].
[وفي رواية ابن سعد قال: لما بقي من أَجَل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام جاءه جبريل فقال: يا محمد، إن الله أرسلني إليك إكرامًا لك وتفضلًا يسألك عما هو أعلم به منك، يقول لك: كيف تجدك؟ فقال: "يا جبريلُ، أجدني مغمومًا، وأجدني مهمومًا، وأجدني مكروبًا" قالها مرتين أو ثلاثًا، فلما كان في الثالث هبط جبريل ومعه ملك يقال