ثم استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، فقام أبو بكر فأحسن القول، وقام عمر فأحسن القول، وقام المقداد وقال: يا رسول الله، امض لما أمرك به ربك، فنحن لا نقول كما قالت بنو إسرائيل: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والذي بعثك بالحق نبيًّا، لو ضربت بطونها إلى بَرْكِ الغِماد لجالدنا معك حتى تبلغه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرًا ودعا له به.
[ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَشِيرُوا عليَّ أيُّها النَّاسُ" (?)] وإنما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: أشيروا علي، الأَنْصارَ، لأنهم لما بايعوه ليلة العقبة قالوا: نحن بُرآء من ذِمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلى دارنا فأنت في ذمامنا، نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءَنا. فخاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا ينصروه خارج المدينة، ففطن سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، لعلك تريدنا، يعني الأنصار؟ قال: "أَجَل". قال: قد آمنا بك، وصَدَّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك العهود على السمع والطاعة، فامض لما أمرت به، فوالذي بعثك بالحق نبيًّا لو اعترضت البحر فخضته لخضناه، وما نكره أن تلقى بنا عدونا، ونحن صُبُرٌ عند الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تَقَرُّ به عينك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبشِرُوا فإنَّ الله قد وَعَدني إحدى الطَّائفتَين" (?).
فبينما هم كذلك إذ وردت رَوايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج، فكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه؟ فيقول: ما لي بهم علم، ولكن هذا عتبة، وشيبة، وأمية بن خلف، وأبو جهل، فإذا قال لهم ذلك ضربوه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي، فيقول: نعم أُخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه يقول: ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا عتبة، وشيبة، وأمية في الناس، فيضربونه. فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، انصرف من صلاته وقال: والذي نفسي بيده إنكم لتضربونَه إذا صدقكم، وتتركونه إذا كذبكم، لقد صدق والله، إنها لقريش (?).