الدُّنيا، فأرسل الله مطرًا عظيمًا، فأصاب المسلمينَ ما لبَّد لهم الأرض، ولم يمنعهم من السير، وأصاب الكفار منه ما منعهم من المسير. فبادرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونزل بأدنى وادٍ من بدر، فقال الحُباب بن المنذر: يا رسول الله، أمنزلك هذا أنزلك الله إياه، أم رأيٌ رأيته في الحرب؟ فقال: "بَلْ رَأيٌ رَأَيتُه" فقال: انهض فليس لك هذا بمنزل، فانزل أدنى ماء من القوم، ثم غَوِّر باقي المياه والقُلُبِ، وابنِ على الماء حوضًا واملأه، ثم قاتل القوم فَنشرب ولا يشربون، فنزل جبريل - عليه السلام - فقال: الرأي ما رأى حُباب، فنهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعل ما قال (?).
ولما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الماء، قال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، ألا نبني لك عريشًا من الجريد تكون فيه، واجعل ركائبك عندك، ثم نلقى عدونا، فإن أَظْفَرنا الله عليهم، فذلك الذي أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك ولحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك قوم ما نحن بأشد حبًّا لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى عدوًا ما تخلَّفوا عنك، فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبني له العريش، فكان فيه هو وأبو بكر (?).
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمرهم بالإفطار، فأفطر البعض وامتنع البعض، فأمر مناديه، فنادى: يا معاشر العصاةِ، أفطروا. فأفطروا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفطرًا (?).
وعقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة ألوية، فكان لواؤه الأعظم وهو لواء المهاجرين بيد مصعب بن عمير، ولواء الخزرج بيد الحُباب بن المنذر، ولواء الأوس بيد سعد بن معاذ.
وكان مع المشركين ثلاثة ألوية: لواء مع أبي عزيز بن عمير، ولواء مع النَّضرِ بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبي طلحة. وكان المشركون في تسع مئة وخمسين رجلًا من المقاتلة، وكان معهم مئة فرس، وأقبلت قريش، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهمَّ إنَّ هذه قريش قد أَقبَلَت بُخيَلائِها وحدِّها وحديدها تحادُّك وتكذِّب رسُولَك، اللَّهمَّ نَصرَكَ" (?).