إنك لو سألتنيها وأنا صحيح لتابعتك على ما تقول، ولكن أكره أن يقال: جزع عند الموت، فترى قريش أني أخذتُها جَزَعًا، ورَددتُها في صحتي. وفيه نزل قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} (?) [القصص: 56].
وقال الشيخ موفق الدين - رضي الله عنه - في "الأنساب": قد كان أبو طالب يقر بنبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجاء ذلك في أشعار له منها قوله: [من الطويل]
ألا أبْلِغا عنِّي على ذات بيننا ... لؤيًّا وخُصَّا من لؤي بني كَعْبِ
بأنَّا وَجَدنا في الكتاب محمدًا ... نبيًّا كموسى خُطَّ في أول الكُتْب
وأنَّ عليه في العِبَادِ محبَّةً ... ولا خير ممن خصَّه الله بالحُبّ
ومنها قوله أيضًا: [من الطويل]
تعلَّم خيار الناس أن محمدًا ... وزير لموسى والمسيح بن مريمِ
أتى بالهُدى مِثلَ الذي أَتيا به ... فكلٌّ بأمرِ الله يَهدي ويعصِمُ
وأنَّكمُ تَتلُونَه في كتابكم ... بصدقِ حديث لا حديث المُترجَمِ
فلا تجعلوا لله ندًّا وأسلموا ... فإن طريقَ الحق ليس بمُظْلِمِ
ولكنه أبى أن يدين بذلك خشية العار (?).
وقال إسحاق بن عبد الله بن الحارث: قال العباس: يا رسول الله، عمك أبو طالب قد كان يكلؤك ويحوطك، فقال: "غَفَر اللهُ له وَرَحِمَه" فقال العباس: وإنك لترجو له، فقال: "إي والله، إني لَأرْجُو له كلَّ الخير من ربِّي" (?).
قال علي - عليه السلام -: لما توفي أبو طالب، أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: إن عمك قد مات، فقال: "اذْهَب فَوَارِه، ولا تُحْدِثْ حَدَثًا حتى تَأْتِيني". ففعلت، وأتيته فدعا لي بدعوات ما يسرني بها حُمْر النعم (?).