قُصَيٌّ في العام الذي حج فيه أن يرميَ ويُفيض منعته صُوفةُ وقالوا: حتَّى نرميَ نحن ونُفيضُ. فلما كان العام القابل قَدمَت قُضاعةُ وفيهم أخوةُ قُصَي لأمه، وهم: رزاحٌ، ومحمودٌ، وجُلْهُمةُ، وحُنٌّ أولاد ربيعة، واجتمع إلى قصي قبائل مُضَر وقريش وكِنانة عند العَقَبة، فمنعتهم صوفةُ عن رمي الجِمار واقتتلوا، فهزم قصيٌّ صوفةَ، فقال رِزاح لأخيه: أَجِزْ قُصيُّ بالناسِ، فأنت أوْلى، فأجازهم، فلم تزل الإفاضة في وَلَد قُصَيٍّ، وإلى هلمَّ جرًا.
ثم انحازت عنه خُزاعةُ وبَكْر إلى الأبطح، فقاتلهم قصي، وكثرت الجراحات والقتلى بين الفريقين، فحكَّموا بينهم يَعْمر بن عوف بن كعب من ولد كِنانة، ورضوا بحكمه، فحَكَم لِقُصَيٍّ بالبيت والحُكْمِ على مكة، وأن كلَّ دَمٍ أصاب قريشًا يَشدَخُه تحت قدميه من دماء خُزاعةَ وبَكْر، وما أصاب خُزاعةَ وبني بكر من قريش ففيه الدِّيَة، فسُمِّيَ يعمر يومئذٍ الشَّدَّاخ، ولما فرغ قُصَيٌّ من أمر مكة انْصَرف أخوه رِزاخٌ وأخوته وقومه إلى الشام، وكانوا ثلاث مِئة رجلٍ، بعد أن أكرمهم قصي وأحسن إليهم، وكانوا يوافون الموسم كل عام، فينزلهم في دار النَّدوة، ويكرمهم، ويَصِلُهم.
ولما استقام أمره بمكة أجْلى خُزاعة من الأباطح، وأنزل قريشًا في أماكنهم، وكانوا في الجبال والشعاب، وهو أول من أصاب مُلكًا من بني لؤَي بن غالب، وأطاعه قومه وملَّكوه عليهم، وكان شريفًا، وهو الذي بني دار الندوة، وجعل بابها إلى المسجد، وما كانوا يتشاورون في أمر ولا يتناكحون ولا يعقِدون لواءَ الحرب ونحوَه إلا فيها (?).
وأول من أوقد النار بالمُزْدَلِفة قصي، فكان يراها الناس من عَرَفةَ، وكان يُضيفُ الناسَ أيامَ الموسم طول مُقامهم بمكة ومِنىً وعرفة (?)، والنسبةُ إليه قُصَويٌّ.
ذكر أولاده:
وهم: عبدُ مناف، وعبدُ الدار، وعبدُ العزى، وعبدُ قُصَي، وكان يُحِبُّ عبدَ الدار،