إلا ربيعةَ بنَ حَرام، فجرى بينه وبين رجل كلام، فقال له: الحَقْ بقومك فلستَ مِنَّا، فسأل أمَّه عما قال الرجل، فقالت: أنت واللهِ أكرمُ نَفْسًا ووالِدًا، أنت ابنُ كلابِ بن مُرَّة، وقومك عند الكعبةِ بمكة.
فأجمع رأيُ قُصيٍّ على الخروج إلى مكةَ وكَرِه الغُربة، فقالت له أمه: يا بُنيَّ، لا تَعْجَل حتى يدخلَ الشهرُ الحرامُ، فتخرُجَ مع الحاجِّ فتأمنَ على نفسك، فإني أخاف عليك. فأقام حتى تجَهَّزَ جماعةٌ من قُضاعةَ، فخرج معهم، وقَدِم مكةَ وعليها يومئذ حُلَيلُ بن حُبْشيَّةَ بنِ سَلولِ بنِ كعب الخُزاعي، وإليه حِجابةُ البيت، فخطب إليه ابنته حُبَّى فزوجه إياها، فولدت له عبدَ الدار، وعبدَ مناف، وعبدَ العزى، وعبدَ قصي، فلما انتشر ولدُه، وكَثُر مالُه، وعَظُم شَرَفُه، هَلَك حُلَيل، فحَجَب البيتَ ابنُه المُحتَرِش وهو أبو غَبْشان.
وقال الواقدي: لما احتضر حُلَيْل أوصى بولاية البيت إلى ابنته حُبّى فقالت: أنا امرأة فكيف أفْتَح الباب وأُغلِقُه؟ فقال: أنا أجعل ذلك إلى رجل. فجعله إلى أبي غَبْشان واسمه سليم بن عمرو، وكانت العرب تجعل له جُعلًا في كل سنة، فقَصَّروا عنه فغضب، فسقاه قُصي الخمر حتى سَكِر وقال له: يا أبا غَبْشان لا خير في العرب، فقال له: اشْتَرِ مني البيت. فباعه إياه بِزِقِّ خمرٍ وقَعودٍ وكَبْشٍ، وقيل: بزقِّ خَمر لا غير، فقال الناس: أخْسَرُ من صَفْقَة أبي غَبْشان. فذهبت مثلًا.
وقيل: إن حُلَيلًا لما رأى ولد قصي قد كثروا سُرَّ بهم، فأوصى بالبيت إلى قُصَيٍّ وقال: أنت أَحَقُّ به وهؤلاء أولادك من ابنتي، والأَول أشهر.
ثم إِن قُصَيًّا رأى أنه أَولى (?) بالبيت من خُزاعةَ وبَكْر، وأن قريشًا صريحُ وَلَدِ إسماعيلَ، فعاهد رجالًا من كِنانةَ وقُريشِ على إخراج خُزاعَةَ وبَكرٍ من مكة، وكتب إلى أخيه لأمه رِزاح بن ربيعةَ يَستَنْجده عليهم، فأنْجَدَه في نَفَر من خُزاعةَ، وكانت صوفَةُ ترمي الجِمار قبل الناس وتُفيض قَبْلهم، وكانوا يقفون بعرفةَ والناسُ تبَعٌ لهم، فلا يَدفَعون حتى يقول قائل: أَجيزي صوفةُ، فإذا عَبروا العقبةَ تَبِعَهم الناس، فلما أراد