وكانت له معرفة وسياسة وحذق في إقامة الدَّعوة واستجلاب القلوب، وكان مجيئه إلى الشَّام في أيام نور الدين محمود، فأقام واليًا ثلاثين سنة، وجرت له مع السُّلْطان قصص، وبعث إليه جماعة فوثبوا عليه، [وقد ذكرناه] (1)، وكان في عَزْمِ السُّلْطان قصدَه، ولم يُعْطه طاعةً قطُّ، ولما صالح السلْطانُ الفرنج، وعَزَمَ على قَصْده توفي، وتحكى عنه الغرائبُ والعجائب، وفي الجملة [كان كما وصفنا] (?) لم يقم أحد بعده مقامه.
ملك الهكارية، كان شجاعًا، صابرًا في الحرب، مُطاعًا في قبيلته، دخل مع أسد الدين شيركوه إلى مِصْر في المرَّات الثلاث، وشَهِدَ فتحها، ولزم خدمة السُّلْطان، كان ممن أُسر بعكا، ففدى نفسه بخمسين ألف دينار، عجَّل منها عشرين ألفًا، وأعطاهم رهائن بالباقي، واطلق، فأَحْسَنَ السُّلْطان إليه، وأقطعه نابُلُس وأعمالها، فجار نوابه على أهلها [(?) فاتفق أن السلطان اجتاز بنابلس من القدس في عوده إلى دمشق، فاجتمع أهلها، وشكوا إلى السلطان]، واستغاثوا، فقال: ما لهؤلاء؟ قالوا: يتظلَّمون من المشطوب، وهو راكبٌ بين يديه، فقال له السُّلْطان: يا علي، لو كان هؤلاء يدعون لك هات حتَّى يسمع الله، فكيف وهم يدعون عليك؟ [(?) واختلفوا في وفاته، فقال العماد الكاتب: مات المشطوب في نابلس] في آخر شوال. وقال ابنُ شدَّاد: مات بالقُدْس، وصُلِّي عليه بالمسجد الأقصى، ودُفِنَ في داره.