وجاءت رسل الإنكتار إلى السُّلْطان تقول: قد هلكنا نحن وأنتم، وما طلبتُ الصُّلْح لتقصير وضَعْفٍ مني، بل للمصلحة العائدة علينا وعليكم.
ثم وقع الاتفاق على أَنَّ البلاد السَّاحلية التي بأيدي الفرنج هي لهم، [والبلاد الجبلية التي بها القلاع تبقى بأيدي المسلمين] (1)، وما بين العملين يكون مناصفة، واختلفوا في عَسْقلان، ثم اتَّفقوا على أنها تكون للفرنج خرابًا لا تعمر، وأعطاهم السُّلْطان القيامة، وكتبوا كتاب الصُّلْح، واتفقوا. [قال]: ولم يؤاخذ السُّلْطان الجناح، بل عفا عنه، وكان عَفْوه من كمال عَقْله، لأَنَّ الناس كَلُّوا ومَلُّوا، وعَلَتْهم الدُّيون وذَلُّوا، وخاف السُّلْطان أيضًا على القدس، فداوى الأخطر، وانعقد الصُّلْح، فارتفعت أصواتُ الفريقين، وضجُّوا فرحًا وسرورًا، وكان يومًا عظيمًا، واختلط الفريقان، [وزال بينهم الشنآن] (?)، وسار الإنكتار في البحر طالبًا بلاده، فمات في البحر قبل أن يصل إليها (?).
وعاد السُّلْطان إلى دمشق، وعَزَمَ على الحج، فقيل له: البلاد خراب، وما نأمن غدر الفرنج، فتوقَّف.
ووصل إلى السُّلْطان كتابٌ من اليمن فيه أن ثلاثة أنهار بالحبشة تغيرت، كانت عذبة، فصار الواحد أجاجًا، والآخر لبنًا، والثالث دمًا!
وحج بالنَّاس من بغداد فلك الدين إيليا، ومن الشَّام دِرْباس الكردي.
وفيها توفي
صاحب الدَّعوة بقلاع الشَّام، وأصله من البَصْرة، وكان في حِصْن ألموت، فرأى منه صاحبُ الأمر في تلك البلاد نجابةً وشهامة ويقظة، فسيَّره إلى حصون الشَّام،