وقد ذكر شئ من ذلك في آداب الصحبة.
واعلم: أن الناس قد تكلموا في حسن الخلق متعرضين لثمرته لا لحقيقته، ولم يستوعبوا جميع ثمراته، بل ذكر كل منهم ما حضر في ذهنه، وكشف الحقيقة في ذلك أن يقال: كثيراً ما يستعمل حسن الخلق مع الخلق فيقال: فلان حسن بالخَلق والخُلق. أي حسن الظاهر والباطن، فالمراد بالخَلق: الصورة الظاهرة، والمراد بالخُلق: الصورة الباطنة، وذلك أن الإنسان مركب من جسد ونفس.
فالجسد مدرك بالبصر، والنفس مدركة بالبصيرة، ولكل واحدة منها هيئة وصورة إما جميلة وإما قبيحة، والنفس المدركة بالبصيرة أعظم قدراً من الجسد المدرك بالبصر، ولذلك عظم الله سبحانه وتعالى أمره فقال: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [ص: 71 - 72]، فنبه على أن الجسد منسوب إلى الطين، والروح منسوب إليه سبحانه وتعالى، فالخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الأفعال جميلة سميت خلقاً حسناً، وإن كانت قبيحة سميت خلقاً سيئاً.
وقد زعم بعض من غلبت عليه البطالة فاستثقل الرياضة، أن الأخلاق لا يتصور تغييرها، كما لا يتصور تغيير صورة الظاهر.
والجواب: أنه لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى، وكيف تنكر تغيير الأخلاق ونحن نرى الصيد الوحشي يستأنس، والكلب يعلم ترك الأكل، والفرس تعلم حسن المشي وجودة الانقياد، إلا أن بعض الطباع سريعة القبول للصلاح، وبعضها مستصعبة.
وأما خيال من اعتقد أن ما في الجبلة لا يتغير، فاعلم أنه ليس المقصود قمع هذه الصفات بالكلية، وإنما المطلوب من الرياضة رد الشهوة إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط، وأما قمعها بالكلية فلا، كيف والشهوة إنما خلقت لفائدة ضرورية في الجبلة، ولو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإنسان، أو شهوة الوقاع لانقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية، لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه. وقد قال الله