تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29] ولا تصدر الشدة إلا عن الغضب، ولو بطل الغضب لامتنع جهاد الكفار، وقال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134] ولم يقل: الفاقدين الغيظ.
وكذلك المطلوب في شهوة الطعام الاعتدال دون الشره والتقلل: قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31] إلا أن الشيخ المرشد للمريد إذا رأى له ميلاً إلى الغضب أو الشهوة، حسن أن يبالغ في ذمها على الطلاق ليرده إلى التوسط، ومما يدل على أن المراد من الرياضة الاعتدال أن السخاء خلق مطلوب شرعاً وهو وسط بين طرفي التقتير والتبذير وقد أثنى الله عليه بقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67].
واعلم: أن هذا الاعتدال. تارة يحصل بكمال الفطرة منحة من الخلق، فكم من صبى يخلق صادقاً سخياً حليماً، وتارة يحصل بالاكتساب، وذلك بالرياضة، وهى حمل النفس على الأعمال الجالبة للخلق المطلوب، فمن أراد تحصيل خلق الجود فليتكلف فعل الجود من البذل ليصير ذلك طبعاً له.
وكذلك من أراد التواضع تكلف أفعال المتواضعين، وكذلك جميع الأخلاق المحمودة فإن للعادة أثراً في ذلك، كما أن من أراد أن يكون كاتباً تعاطى فعل الكتابة، أو فقيهاً تعاطى فعل الفقهاء من التكرار، حتى ينعطف على قلبه صفة الفقه، إلا أنه لا ينبغي أن يطلب تأثير ذلك في يومين أو ثلاثة، وإنما يؤثر مع الدوام، كما لا يطلب في النمو علو القامة في يومين أو ثلاثة، وللدوام تأثير عظيم.
وكما لا ينبغي أن يستهان بقليل الطاعات، فإن دوامها يؤثر، وكذلك لا يستهان بقليل من الذنوب.
كما أن تعاطى أسباب الفضائل يؤثر في النفس ويغير طبعها، فكذلك مساكنة الكسل أيضاً يصير عادة، فيحرم بسببه كل خير.
وقد تكتسب الأخلاق الحسنة بمصاحبة أهل الخير، فإن الطبع لص يسرق الخير والشر.
قلت: ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".