القلب الأول: قلب عَمُرَّ بالتقوى، وزكى بالرياضة، وطهر عن خبائث الأخلاق، فتتفرج فيه خواطر الخير من خزائن الغيب، فيمده الملك بالهدى.
القلب الثاني: قلب مخذول، مشحون بالهوى، مندس بالخبائث، ملوث بالأخلاق الذميمة، فيقوى فيه سلطان الشيطان لاتساع مكانه، ويضعف سلطان الإيمان، ويمتلئ القلب بدخان الهوى، فيعدم النور، ويصير كالعين الممتلئة بالدخان، لا يمكنها النظر، ولا يؤثر عنده زجر ولا وعظ.
والقلب الثالث: قلب يبتدئ فيه خاطر الهوى، فيدعوه إلى الشر، فيلحقه خاطر الإيمان فيدعوه إلى الخير.
مثاله، أن يحمل الشيطان حملة على العقل، ويقوى داعي الهوى ويقول: أما ترى فلاناً وفلاناً كيف يطلقون أنفسهم في هواها، حتى يعد جماعة من العلماء، فتميل النفس إلى الشيطان، فيحمل الملك حملة على الشيطان، ويقول: هل هلك إلا من نسى العاقبة، فلا تغتر بغفلة الناس عن أنفسهم، أرأيت لو وقفوا في الصيف في الشمس ولك بيت بارد، أكنت توافقهم أم تطلب المصلحة؟ أفتخالفهم في حر الشمس، ولا تخالفهم فيما يؤول إلى النار؟ فتميل النفس إلى قول الملك، ويقع التردد بين الجندين، إلى أن يغلب على القلب ما هو أولى به، فمن خلق للخير يسر له، ومن خلق للشر يسر له: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125] اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه.
...
وذلك في فصول:
أعلم: أن الخلق الحسن صفة من صفات الأنبياء والصديقين، وأن الأخلاق السيئة سموم قاتلة، تنخرط بصاحبها في سلك الشيطان، وأمراض تفوت جاه الأبد، فينبغي أن تعرف العلل ثم التشمير في معالجتها، ونحن نشير إلى جمل من الأمراض، وكيفية معالجتها في الجملة من غير تفصيل، فإن ذلك يأتى مبيناً إن شاء الله تعالى.