إن الأطفال أكثر حاجة من الكبار إلى معاملة الود ولطف الخطاب، وهي من أفضل الطرق للتعبير لهم عن القبول، وتعني كذلك كيف يحترمون غيرهم.
يختم الحقيقة هذا الفصل بوقفة عبارة عن رسالة من طفل إلى أبيه الحاضر الغائب الذي هو خارج نطاق الخدمة أو غير متاح طبعًا هي رسالة تربوية بتتضمن توبيخ لنا نحن الكبار يقول فيها «إن الذي يعاتبك عليه يا أبي هو بعض نسيانك لي في زحمة أشغالك واهتماماتك، وإغفالك لإدراج اسمي في مواعيد مذكراتك، لست أذكر كم من مرة رأيت أمي وقد أرخى الليل سدوله وغارت نزوله وهدئت حركة الناس فيه رأيتها بعد أن رميتها يا أبي بسهم غيابك، وحرمتها أنثى مواصلتك، حاولت أن تروم الصبر فلم تدركه، وبحثت عن السلو؛ فلم تملكه طاردت الزفرات فلم تقلع، وكفكفت دمعا حارا فلم يرجع أبي العزيز الغائب.
إني اشتقت إليك، قد تتعجب من مراسلتي إياك وأنت أبي، ومكاتبتك وأنت معي، فلا أنت بالأب الغائب المهاجر إلى ديار الغربة بعيدا عن العين والأهل والأقارب والأحبة، ولا أنت بالأب المقيم في أسرته وبين أبناءه، يهنئون بصحبته ويسعدون بوجوده، فحسُّك بيننا صباح مساء، وطيف حاضر المعنى متى نشاء.
لكن يا أبي كثرت أشغالك، وطال غيابك، وكدنا نفتقد أثرك، انتظرت طويلا رجوعك إلى ما عهدت فيه، وطال انتظاري حتى فقدت الأمل في عودتك.
شملتني بعطفك ورعايتك وأنا صغير، وكلما كبر السن إلا وكبرت معها رقعة بعدك وغيابك عني، وكل ما اشتد عودي وأحسست بالحاجة إليك، إلا واشتدت مشاغلك وتخطفتك برامج أنشطتك.
فلما عرفت السبب غيبتك، تأسفت على ما عدمته من مرافقتك ومصاحبتك، وما أبديت شوقا إلا بعد ما أبديت بعدا وهجرا؛ فأنا يا أبي لم أحظى بالكثير منك فيمتعني، ولا أرضى بالقليل منك