فيقنعني، فشوقي إليك غالب لصبري، وشغفي بك غامر لصدري، وودي إليك مشتمل على قلبي، وإحساسي بك نابع من طفولتي.
وكيف لا أكون كذلك وقد أريتني منك ما أقر عيني وطيب خاطري فأنت مثلي، وقدوتي وأنت نفسي التي يحويها جانبي، ويدي المحامية عني وقوتي التي تنهض بها همتي؛ فلا تعجب يا أبي إن كان شوقي إليك زائدا على قدرتي؛ فصبري عن غيابك قاعد عن نصرتي، وصبابتي نحوك غالبة على نفسي.
ألست أنت يا أبي من علمني كيف ارتبط نبي الله نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بابنه الذي امتنع عن الاستجابة بدعوته، فلما أنزل الله غضبه نادى نوح ربه فقال لله تعالى {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} (?)؛ فتحركت عاطفته الأبوية علها تكون شافعة لابنه من العقاب ومنجية فلم ينسى الأب ابنه في أحلك الأوقات رغم اختلاف المعتقدات، ولم يغفل عنه رغم تمسكه بالمعصية وتعرضه للبوار والآثام.
ألست أنت يا أبي من علمني كيف تأثر نبي الله يعقوب لغياب ابنه نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وتأسف على ذلك كثيرا حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم؛ فلم تغن عنه كثرة أبنائه على أن يتولى عنهم جميعا، ويبث حزنه وشكواه لخالقه ومولاه، فهو الوحيد جلت قدرته العالم بالفاجعة التي ألمت به في فقدانه قرة عينه ونور بصره، وإذا كان هذا حال الآباء مع أبنائهم في العصور الخوالي؛ فإن عصرنا هذا شاهد على حال الأبناء مع آبائهم في الشهور والأيام والليالي ولقد اعتصمت يا أبي بالصبر فلم يمنع، ولجأت إليه فلم ينفع.
غير أننا نحفظ لكم أيها الآباء في صدورنا وهذا حفيا، وعهدا وفيا، وحبا خفيا، فهل أنتم لما نحس به مدركون؟ وهل أنتم لما نشعر به تجاهكم عارفون؟
أبي العزيز الغائب! إني أعاتبك.