فنفس التناقض يشتكي منهم فيه نقع نحن في هذا التناقض تارة يعتبرهم قرة عينيه وفورًا يعتبرهم عبئًا عليه تارة يتلقى برحابة صدر ما يصدر عنهم من مشاغبة وطيش وفورًا يحاسبهم بلا رحمة على كل شارة وواردة.
هذه كلها ليست سوى مظهر لتناقض أعمق كامن في صميم حبنا لوالدينا تناقض لا نعيه في كثير من الأحوال، ولكنه يحدد سلوكنا وتصرفاتنا وإذا شئنا أن نحدده قلنا إنه تناقض بين موقفين أحدهما يعتبر أولادنا وسيلة والآخر يعتبرهم غاية.
هذان الموقفان سوف أتوسع الآن في وصفهما، وقبل الشروع بذلك أود أن أوضح أن التناقض بينهما قائم لا محالة في كل حب والدي، إلا أن حدته تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال؛ ولذا فالفئات التي سوف أصفها كنماذج عن المواقف الوالدية ليست تصنيفًا للوالدين بقدر ما هي تمييز للنزعات المختلفة المتضاربة التي تتنازع قلب كل والد وكل والدة.
لا جدوى من الارتياع أمام هذا التناقض يعني لا يفاجأ أحد حينما ينتبه لأن فعلاً فيه تناقض في تصرفاته أحيانًا كموقف والدي من الأبناء المهم هو أن ننتبه إلى قدر الإمكان إلى وجوده فينا أول شيء يكون عندنا بصيرة جذور هذه المواقف ومن أين أتت، فعندما يكون عندنا بصيرة فإن هذا سيساعدنا إلى إيجاد النزعة السليمة والموقف الوالدي السليم ألا وهي -أي النزعة السليمة- تلك التي تعتبر الولد غاية بحد ذاته على التغلب على النزعة المنحرفة التي تعتبره وسيلة.
يبدأ يفصل في الناس الذين يتصرفون على أنه وسيلة: كثيرًا ما نحن مجربون بأن نعتبر أولادنا بصورة لا شعورية إلى حد ما وسائل لتتميم مقاصدنا وتحقيق ما نصبو إليه ذاتيًا -يعني يسحق شخصية الولد وهو الذي يفرض عليه مواقفه واختياراته-.
هذا الكلام قد يبدو غريبًا لأن الحب الوالدي هو تحديدًا حب شريف متفان، لكن علم النفس الحديث علمنا أن ندقق في أصالة حبنا وتفانينا التي كثيرًا ما تشوبها نزعات أنانية قد لا نفطن تمامًا إليها