فيوصيها بقوله: "المرأة مرتبطة بالناموس ما دام رجلها حياً، ولكن إن مات رجلها فهي حرة لكي تتزوج بمن تريد في الرب فقط ولكنها أكثر غبطة إن لبثت هكذا بحسب رأيي. وأظن أني أنا أيضا عند روح الله".
على أن الإسلام لا يكفيه أن يساير الطبيعة، وألا يتمرد عليه، وإنما هو يدخل على قوانينها ما يجعلها أكثر قبولا وأسهل تطبيقا في إصلاح ونظام ورضاء ميسور مشكور، حتى لقد سمى القرآن لذلك "بالهدى" لأنه المرشد إلى قوم مسالك الحياة، ولأنه الدال على أحسن مقاصد الخير.
والأمثلة العديدة لا تعوزنا، ولكننا للقصد نأخذ بأشهرها، وهو التساهل في سبيل تعدد الزوجات، وهو الموضوع الذي صادف النقد الواسع، والذي جلب للإسلام في نظر أهل الغرب مثالب جمة، ومطاعن كثيرة.
ومما لا شك فيه أن التوحيد في الزوجة هو المثل الأعلى، ولكن ما العمل وهذا الأمر يعارض الطبيعة ويصادم الحقائق، بل هو الحل الذي يستحيل تنفيذه؟
ومن هنا نادى بولس في رسالته إلى تيموثاوس قائلا: "فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بلا امرأة واحدة.. يدبر بيته حسنا، له أولاد في الخضوع بكل وقار. وإنما إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته فكيف يعتني بكنيسة الله؟! " الأمر الذي يفهم منه ضمنا أن الزواج بأكثر من واحدة كان قائما.
إذن لم يكن للإسلام أمام الأمر الواقع، وهو دين اليسر، إلا أن يستبين أقرب أنواع العلاج فلا يحكم فيه حكما قاطعا ولا يأمر به أمرا باتاً.
والذي فعله الإسلام أول كل شيء أنه أنقص عدد الزوجات الشرعيات وقد كان عند العرب الأقدمين مباحا دون قيد، ثم أشار بعد ذلك بالتوحيد في الزوجة في قوله:
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} .
وأي رجل في الوجود يستطيع أن يعدل بين زوجاته المتعددات؟! ولذا كان التعدد بهذا الشرط مستحيل التنفيذ. ولكن انظر كيف وضعه الإسلام وضعاً هو غاية في الرقة والدقة واللطف مع الحكمة.