تشيع الفاحشة في الذين آمنو، يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، وإذ ما غضبوا هم يستغفرون غيظهم ويعفون عن الناس، يجتنبون كثيرا من الظن ولا يتجسسون ولا يغتاب بعضهم بعضا، لا يأكلون أموالهم بينهم بالباطل، ولا يدلون بها إلى الحكام ليأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم، تتنزه نفوسهم عن الحسد وعن الخديعة وعن لغو القول وعن كل منقصة.
وهذه الصفات والأخلاق التي يقوم عليها أدب النفس ويهذب الخلق على مقتضاها، إنما تستند إلى النظام الروحي الذي نزل به القرآن الكريم والذي يتصل بالإيمان بالله.
تظهر العظمة المحمدية في هذا الجانب المشرق من حياة الدعوة. كيف استطاع أن يؤلف بين رجال تباينت أفكارهم وأمزجتهم وجنسياتهم.
ألغى الفوارق بينهم، وصهرهم في بوتقة الإسلام إخواناً متحابين يرفعون هذا الشعار الإلهي:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} .
كان حريصاً على تأديبهم وتفجير الطاقات الكامنة فيهم، يهش لكل منهم كأنما يؤثره على الآخرين، يأسرهم بحديثه وجمال خلقه وفهمه العميق لمعادن الرجال فيأخذون عنه دون شك. يقول لهم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ويقول: "خذوا عني مناسككم" وكان دائب التربية والتوجيه لهم.
غذاهم بنور القرآن، فكانوا يجلسون إليه ويتلقون عنه، فإذا عادوا إلى منازلهم بادرتهم زوجاتهم: "كم نزل من القرآن؟ وكم حفظتم من حديث رسول الله؟ ".
كانوا كما وصفهم القرآن:
{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} .