ويشاركهما في هذا الرأي توماس أرنولد، ويشتد تحاملاً عن سابقيه فيقول إن حركة التوسع العربي كانت هجرة جماعة نشيطة، دفعها الجوع والحرمان إلى أن تهجر صحاريها المجدبة، وتجتاح بلاداً أكثر خصباً كانت ملكاً لجيران أسعد منهم حظاً.
ومن الواضح أن هذه الآراء تتضمن كثيراً من التضليل والبعد عن الحقيقة.
ومع هذا فلنستمع إلى الفئة الثانية، إلى الغربيين الذين ينصفون الإسلام بتحقيقهم التاريخ الصادق من غير تحيز.
الفئة الثانية: غربيون يحققون التاريخ وينصفون الحق:
ليس أدل على إنصاف المسلمين وبيان حقيقة الغرض من أقول قادة الحرب المقهورين، فهذا هو الإمبراطور هرقل يسخط على الحاكم الروماني ويندد بانكساره أمام جيوش المسلمين، فيقول الحاكم مدافعاً عن نفسه: "إنهم أقل منا عدداً، ولكن عربياً واحداً يعادل مائة من رجالنا، ذلك أنهم لا يطمعون في شيء من لذات الدنيا، ويكتفون بالقليل من الكساء والغذاء في الوقت الذي يرغبون فيه في الاستشهاد، لأنه أفضل طريق يوصلهم إلى الجنة، على حين نتعلق نحن بأهداب الحياة، ونخشى الموت، يا سيدي الإمبراطور".
ويتحدث بيرون مؤكداً أن الحماسة الدينية وحدها هي التي أدت إلى نجاح العرب في حركتهم التوسعية، فيقول: "إن الفارق كبير بين الجرمان أو المغول الذين غادروا بلادهم ومعهم نساؤهم وأطفالهم وعبيدهم ومواشيهم بغية السلب والنهب والحصول على أرض جديدة تدر عليهم من خيراتها ما يكفل لهم عيشاً رغداً، والعرب الذين خرجوا في أوائل القرن السابع الميلادي ينادون بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، دون أن يصطحبوا معهم سوى سيوفهم وخيولهم".
حقيقة أن الفتح الإسلامي أعقبه حركة أخرى للتهجير والاستيطان في الولايات العربية الجديدة التي تم فتحها، ولكن هذه الحركة الأخيرة لم تبدأ إلا بعد أن انتهت الحركة الأولى بنحو قرنين من الزمان، تغيرت فيهما أوضاع البلاد المفتوحة وأصبحت جزءاً من الوطن العربي.