ويقول بيكر: "إن أوروبا في العصور الوسطى نظرت إلى انتشار الإسلام من وجهة النظر الكنسية الدينية، وكأن الكنيسة قد أفزعها وآلمها ضياع البلاد بالشام ومصر وأعلي العراق، وكانت كلها ترتبط بأصول مسيحية، فراحت نفسر انتشار الإسلام في هذه البلاد بأنه لم يتم إلا بحد السيف".

وهم بهذا الادعاء يموهون على خوف ينتابهم ورهبة تسرى في أوصالهم عند سماعهم للإسلام والعرب. وقد سجل التاريخ أنهم لم يكن لهم شأن يذكر حين احتضنهم العامل الروماني الإمبراطور قسطنطين بحمليته لهم وحماية عقيدتهم، وذلك باستصدار قانون بمرسوم ميلان سنة 313م باعتبار المسيحية ديناً رسمياً للدولة، شأنها في ذلك شأن الوثنية.

أما الإسلام فهو كالعملاق الذي ولد ولم يركن إلى حماية دولة من الدول، بل استمد مجده من الله الملك القهار، فهو كالعملاق الذي يحمي ولا يهدد، يصون ولا يبدد، وهو في كل هذا يحرص كل الحرص على العزة والكرامة.

إزاء هذا لا يسعني إلا أن آتي بوجهات نظر الغرب عن الإسلام وهم فئتان: فئة يتحاملون على الإسلام، وفئة تنصف الإسلام بتحريهم التاريخ الصادق من غير تحيز.

فالفئة الأولى: غربيون يتحاملون على الإسلام:

يقول بيكر، ويقول برنارد لويس. مستدلين بقوله تعالى:

{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ}

يقولان: إن انهيار سد مأرب في القرن السادس، وما أصاب البلاد من تقلب الأحوال الاقتصادية والاجتماعية - دفعهم إلى الهجرة، ولا فرق في ذلك بين الهجرات السابقة التي قام بها الآراميون والكنعانيون، والهجرات اللاحقة التي قام بها الغرب عقب ظهور الإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015