ومع هذا فإن بيكر "يؤكد أن النظرة السالفة التي مازال بعض المثقفين في أوروبا حتى اليوم يعتقدون صحتها، بعيدة عن الواقع لأن الوثائق المعاصرة كلها تثبت أن العرب لم يفرضوا دينهم على أهالي البلاد المفتوحة، بل فرضوا سيطرتهم السياسية لا غير.
فسيطرة العرب السياسية هي التي انتشرت بقوة السلاح أما الديانة الإسلامية نفسها فقد وجدت سبيلها إلى قلوب عدد كبير من أهالي البلاد المفتوحة، بدليل ما أجمعت عليه الوثائق من تسامح العرب المطلق مع المسيحيين واليهود على السواء. وهو تسامح لم يخطر على بال إنسان ولم يحظ به المسيحيون واليهود في ظل حكامهم السابقين".
"لا شك أن روح التسامي والتسامح التي عرف بها العرب، والتي لا يوجد لها نظير في الشرق أو الغرب في العصور الوسطى كان لها أكبر الأثر في تفهمهم للحضارات الأخرى السابقة تفهماً صحيحاً واضحاً، وفي تفهم الأوروبيين والإفريقيين لحضاراتهم تفهماً مفيداً".
ذلك بأن العرب لم يفرقوا في نشاطهم الحضاري بين المسلمين وغير المسلمين، بل سمحوا للنصارى واليهود بالتتلمذ عليهم والاستفادة منهم، فأقبل الأوروبيون في الأندلس وصقلية، والآسيويون في الشام وغيرها، على دراسة المعارف الإسلامية وترجمتها، ممتا ساعد على نهضة أوروبا في العصور الوسطى.
أصبح الإسلام قوياً بتضامن المسلمين، ووقف العالم بأسره أمام الفتوحات الإسلامية وكأنه أمام لغز، وعمل الكثير من العلماء والمؤرخين لفك طلسم هذا اللغز.
فالعرب الذين غزوا العالم الروماني في القرن السابع وأوائل القرن الثامن كانوا أقل عدداً من الجرمان الذين تدفقوا على الإمبراطورية الرومانية من قبل، ومع ذلك أذابت الحضارة الرومانية والعقيدة المسيحية تلك الشعوب الغازية في ذاتها فتلاشت نهائياً، في حين كان الانتصار الساحق في الجهات التي انتزعها العرب واستقروا فيها - مثل الشام ومصر وشمال أفريقيا والأندلس - سبيلاً إلى انتشار القرآن بنوره، والإسلام بتسامحه، فانتصر الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً، وما لبث تلك الشعوب التي دانت