الواقع يا غرب أن هذا التذمر الذي وقع من أقباط مصر في عهد الدولة الأموية لم يكن اضطهاد ديني، بل كانت أسبابه ترجع إلى ظروف اقتصادية بحتة اكتنفت الدولة الأموية في فترة من فترات توسعها السياسي والعمراني، وأرادت أن تعتمد في نفقاتها على دخلها القومي، مما استلزم فرض ضرائب على الولايات الإسلامية التي كانت مصر واحدة منها، ولم تفرض هذه الضرائب على أقباط مصر فحسب، بل عليهم وعلى المسلمين أيضاً، وهذه هي العدالة المطلقة في الواجبات التي تفرضها الدولة على المواطنين.
بل أكثر من هذا يا غرب، لقد استطاعت الأمة الإسلامية بعد توسعها السياسي شرقاً وغرباً - أن تقصم ظهر الأباطرة والملوك، وأن تغسل سبعمائة سنة عاشها الغرب في ظل الإمبرطورية الرومانية، والشرق في ظل الدولة الفارسية، استطاع الإسلام أن يغسل عقول سكان تلكم الأقاليم مما علق بها من عقائد فاسدة وتعاليم باطلة، وتقاليد سقيمة، استطاع الإسلام أن يضئ عليهم كضياء الشمس في وضح النهار، وكفى هذه الشعوب في هذه الأقاليم أن تتمتع بالنور الرباني الذي يشعه عليها القرآن الكريم وسنة الرسول الكريم.
وقد ازداد التوسع حتى بلغ سردينيا سنة 711م، واسبانيا سنة 710 - 714م.
وإن أثر العرب والإسلام في تاريخ العصور الوسطى لا يقف عند حد التغييرات السياسية التر أحدثوها في أوضاع العالم المعروف، بل يبدو الأثر أشد ما يكون وضوحاً في الميدان الحضاري.
والحضارة العربية الإسلامية تقوم على دعامتين أساسيتين: هما اللغة العربية، والديانة الإسلامية، ومازالت السرعة التي انتشرت بها العربية اللغة العربية والديانة الإسلامية لغزاً يثير حيرة المفكرين.
فاللغة العربية ليست باللغة السهلة القليلة التعقيد حتى يقال إن سهولتنا أدت إلى سرعة انتشارها من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي، ومع هذا نجحت في أن تبسط سيادتها على جميع البلاد التي فتحها العرب، وحكموها زمناً طويلاً باستثناء فارس.
ولم يستطع الباحثون تفسير هذه الظاهرة: ظاهرة انتشار اللغة العربية إلا في ضوء انتشار العقيدة الإسلامية نفسها، وما تتطلبه هذه العقيدة من معرفة بأصول اللغة العربية لأداء فروض الدين.