هذا التصرف من داود النبي، هو التصرف السليم الذي تتحقق به إرادة الله (العفو عند المقدرة) ، الذي يقهر الخصم فيجبره على الاعتراف بخطئه كما اعترف شازل الملك بقوله لداود عليه السلام: قد أخطأت.
وعلى هذا نتبين أن الرسالة واحدة، رسالة الله، وكلمة الله هي واحدة، والهدف واحد، وهو شارة إلى ملك الكون، الله جل جلاله، وإنما تختلف الطريقة وتتلون الحقيقة في أعين الناس على حسب اختلاف عقولهم وأزمانهم، وإذا كان عيسى أو موسى أو محمد - صلوات الله عليهم أجميعن - رسل الله يبشرون بالكلمة، فإن الله جل جلاله من ورائهم جميعاً، وأنبياء الله كمثل الكهرباء التي تسرى في المصابيح الكهربائية، فتشع بالضياء، أو تسرى في المحركات الآلية، فتولد الحركة، هذه الكلمة لا يمكن أن تسير بدون أضوائه المتلألئة في كل سماء، وإن كانت تحجبها أحياناً سحب من صنع البشر.
لقد ذكر الحواري متى في إنجيله قصة التجلي للمسيح عيسى ابن مريم وهذا نصها للفائدة التاريخية: "وبعد ستة أيام يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه، وصعد بهم إلى جبل عال منفردين. وتغيرت هيئته قدامهم، وأضاء وجهه كالشمس. وصارت ثيابه كالنور. وإذا موسى وإيليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه.. وفيما هو يتكلم إذا سحابة نيرة ظللتهم، وصوت من السحابة قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي سررت له اسمعوا، ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جداً، فجاء يسوع ولمسهم وقال: قوموا ولا تخافوا، فرفعوا أعينهم ولم يروا أحداً إلا يسوع وحده".
والأمر إلى هذا الحد لا يعود أن يكون قصة جميلة، لكن الأمر الخطير في هذه القصة هو وصية المسيح لهؤلاء التلاميذ الثلاثة بقوله: "لا تعلموا أحدا بما رأيتم".
ولنقابل هذه الحادثة بأخرى مماثلة مع اختلاف الحالة العاطفية من المجد إلى الموت، ومن البهجة والسرور إلى الكآبة والحزن، وها هي ذى القصة الثانية وقد وردت في الأناجيل الثلاثة: إنجيل متى 26: 36 - 46، وإنجيل مرقس 14: 22 - 42، ثم إنجيل لوقا 22: 39 - 46.