الربوبية، فنصوص القرآن تبطل قوله لأنه -سبحانه- أخبر عن المشركين أنهم يقرون بتوحيد الربوبية، كما في قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} 1؛ والآيات في ذلك كثيرة.
وإن فسر الشرك ببعض أنواع العبادة دون بعض، فهو مكابر، ويخاف على مثله أن يكون من الذين في قلوبهم زيغ، يتركون المحكم، ويتبعون المتشابه؛ مع أنه ليس في الحديث حجة لهم ولا شبهة، وإنما معنى الحديث: أنه يئس أن يجتمعوا كلهم على الكفر.
[معنى يئس الشيطان من عبادة الناس له]
قال ابن رجب على الحديث: المراد أنه يئس أن تجتمع الأمة كلها على الشرك الأكبر. وأشار ابن كثير إلى هذا المعنى عند تفسير قوله -تعالى-: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} 2 قال ابن عباس رضي الله عنه: يعني: يئسوا أن تراجعوا دينهم.
وكذا قال عطاء والسدي ومقاتل، قال: وعلى هذا يرد الحديث الصحيح: "إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب"3.
فأشار إلى أن معنى الحديث موافق لمعنى الآية، وأن معنى الحديث أنه يئس أن يرجع المسلمون عن دينهم إلى الكفر. قال غير واحد من المفسرين: إن المشركين كانوا يطمعون في عود المسلمين إلى دينهم، فلما قوي الإسلام وانتشر يئسوا من رجوعهم عن الإسلام إلى الكفر، وكذا معنى إياس الشيطان لما رأى من ظهور الإسلام وانتشاره، وتمكنه من القلوب ورسوخه فيها. وعلى هذا فلا يدل الحديث أن الشيطان يئس من وجود شرك في جزيرة العرب أبد الآبدين.
ويدل لما ذكرناه ما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة رن إبليس رنة اجتمع إليه جنوده فقال: ايئسوا أن تردوا أمة محمد إلى الشرك بعد يومكم هذا، ولكن افتنوهم؛ فافشوا فيهم النوح.
وأيضا ففي الحديث نسبة اليأس إلى الشيطان مبنيا للفاعل لم يقل أيس بالبناء