وحد العبادة وحقيقتها: طاعة الله؛ فكل قول، وعمل ظاهر وباطن يحبه الله فهو عبادة. فكل ما أمر به شرعا أمر إيجاب أو استحباب فهو عبادة. فهذا حقيقة العبادة عند جميع العلماء التي من جعل منها لغير الله شيئا فهو كافر مشرك.

[الجهل بحقيقة التوحيد وأصول الدين ليس عذرا لأحد]

ومما يبين أن الجهل ليس بعذر في الجملة قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج ما قال، مع عبادتهم العظيمة؛ ومن المعلوم أنه لم يوقعهم فيما وقعوا إلا الجهل، وهل صار الجهل عذرا لهم؟

يوضح ما ذكرنا أن العلماء من كل مذهب يذكرون في كتب الفقه "باب حكم المرتد"؛ وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، وأول شيء يبدؤون به من أنواع الكفر: الشرك، يقولون: من أشرك بالله كفر، لأن الشرك عندهم أعظم أنواع الكفر، ولم يقولوا: إن كان مثله لا يجهله، كما قالوا فيما دونه.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: أي الذنب أعظم إثما عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك"1، ولو كان الجاهل أو المقلد غير محكوم بردته إذا فعل الشرك لم يغفلوه، وهذا ظاهر.

وقد وصف الله -سبحانه- أهل النار بالجهل كقوله: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} 2، وقال: {وَلَقَدْ ذَرَانَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالانْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} 3، وقال: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} 4، وقال -تعالى-: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُون} 5، قال ابن جرير، عند تفسير هذه الآية: وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور.

ومن المعلوم أن أهل البدع، الذين كفرهم السلف والعلماء بعدهم، أهل علم وعبادة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015