وقوله: "قد يقع ذلك في طوائف منهم يعلم العامة والخاصة، بل اليهود والنصارى يعلمون أن محمدًا بعث بها وكفر من خالفها، مثل عبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة غيره، فإن هذا أظهر شرائع الإسلام"*. يعني: فهذا لا يمكن أن يقال: لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها. والأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والنهي عن عبادة غيره هو ما نحن فيه، قال -تعالى-: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} 1.

وقوله -رحمه الله-: "بل اليهود والنصارى يعلمون ذلك". حكي لنا عن غير واحد من اليهود في البصرة أنهم عابوا على المسلمين ما يفعلون عند القبور، قالوا: إن كان نبيكم أمركم بهذا فليس بنبي، وإن لم يأمركم فقد عصيتموه.

[من جعل شيئا من العبادة لغير الله فهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله]

وعبادة الله وحده لا شريك له هي أصل الأصول الذي خلق الله الجن والإنس لأجله، قال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} 2: أي يعبدوني وحدي، وهو الذي أرسل به جميع الرسل، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 3 والطاغوت اسم لكل ما عبد من دون الله، وقال -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} 4. وكل رسول أرسله الله، فأول ما يدعوهم إليه هذا التوحيد، قال -تعالى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 5، {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 6، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 7، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 8.

فمن جعل شيئا من العبادة لغير الله، فهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، قال الله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} 9؛ فمن زعم أن الله -سبحانه- يغفره فقد رد خبر الله -سبحانه-.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015