وفيهم زهد ولم يوقعهم فيما ارتكبوه إلا الجهل، والذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار هل آفتهم إلا الجهل؟
[من كفر جاهلا أو مقلدا غير معذور]
ولو قال إنسان: أنا أشك في البعث بعد الموت، لم يتوقف من له أدنى معرفة في كفره، والشاك جاهل. قال -تعالى-: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} 1، وقد قال الله -سبحانه- عن النصارى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} 2 الآية. قال عدي بن حاتم للنبي صلى الله عليه وسلم ما عبدناهم. قال: "أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى قال: فتلك عبادتهم" فذمهم الله -سبحانه-، وسماهم مشركين مع كونهم لم يعلموا أن فعلهم معهم هذا عبادة لهم، فلم يعذروا بالجهل.
ولو قال إنسان عن الرافضة في هذه الأزمان: إنهم معذورون في سبهم الشيخين وعائشة لأنهم جهال مقلدون، لأنكر عليه الخاص والعام.
وما تقدم من حكاية شيخ الإسلام -رحمه الله- إجماع المسلمين على أن من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضار أنه كافر مشرك، يتناول الجاهل وغيره، لأنه من المعلوم أنه إذا كان إنسان يقر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ويؤمن بالقرآن، ويسمع ما ذكر الله -سبحانه- في كتابه من تعظيم أمر الشرك بأنه لا يغفره، وأن صاحبه مخلد في النار، ثم يقدم عليه، وهو يعرف أنه شرك، هذا ما لا يفعله عاقل، وإنما يقع فيه مَن جهل أنه شرك.
وقد قدمنا كلام ابن عقيل في جزمه بكفر الذين وصفهم بالجهل فيما ارتكبوه من الغلو في القبور. نقله عنه ابن القيم مستحسنا له.
والقرآن يرد على من قال: إن المقلد في الشرك معذور، وقد افترى وكذب على الله، وقد قال الله عن المقلدين من أهل النار: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا