وأما الشرك فقد قال -رحمه الله-: "إن الشرك لا يغفر، وإن كان أصغر"*؛ نقل عنه ذلك تلميذه صاحب الفروع فيه، وذلك -والله أعلم- لعموم قوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} 1 مع أن الشيخ -رحمه الله- لم يجزم أنه يغفر لمن ذكرهم، وإنما قال: قد يكون.
وقد قال -رحمه الله- في شرح العمدة، لما تكلم في كفر تارك الصلاة فقال: "وفي الحقيقة فكل رد لخبر الله أو أمره فهو كفر، دق أو جل، لكن قد يعفى عما خفيت فيه طرق العلم، وكان أمرًا يسيرًا في الفروع، بخلاف ما ظهر أمره، وكان من دعائم الدين من الأخبار والأوامر"، يعني فإنه لا يقال: قد يعفى عنه.**
وقال -رحمه الله- في أثناء كلام له في ذم أصحاب الكلام، قال: "والرازي من أعظم الناس في باب الحيرة، له نهمة في التشكيك، والشك في الباطل خير من الثبات على اعتقاده، لكن قل أن يثبت أحد على باطل محض، بل لا بد فيه من نوع من الحق ... وتوجد الردة فيهم كثيرًا كالنفاق ...
وهذا إذا كان في المقالات الخفية، فقد يقال: لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، لكن يقع ذلك في طوائف منهم في أمور يعلمها العامة والخاصة، بل اليهود والنصارى يعلمون أن محمدًا بعث بها، وكفر من خالفها، مثل عبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة غيره، فإن هذا أظهر شرائع الإسلام، ومثل أمره بالصلوات الخمس، ومثل معاداة المشركين وأهل الكتاب، ومثل تحريم الفواحش، والربا، والميسر، ونحو ذلك". ...
وقولك: إن الشيخ يقول: إن من فعل شيئًا من هذه الأمور الشركية لا يطلق عليه أنه كافر مشرك، حتى تقوم عليه الحجة الإسلامية. فهو لم يقل ذلك في الشرك الأكبر، وعبادة غير الله، ونحوه من الكفر، وإنما قال هذا في المقالات الخفية، كما قدمنا من قوله: وهذا إذا كان في المقالات الخفية، فقد يقال: لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، فلم يجزم بعدم كفره وإنما قد يقال.