وأين هذا الإنصاف من كلام ابن دحية، وقوله عن عمر بن ثابت أنه ربما لم يكن عند مالك ممن يعتمد عليه إنما قاله ظنًّا منه وليس عن مالك في ذلك نقل صريح. وقد وثق عمر بن ثابت النسائي وأبو حاتم بن حبان ولم يضعفه أحدًا، وكون مالك روى عنه بعيد؛ لأنه مقدم عليه روى عن عائشة -رضي اللَّه عنها- وغيرها، وروى عنه: الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وصفوان بن سليم ومحمد بن عمرو بن علقمة وعبد ربه بن سعيد، وهؤلاء كلهم شيوخ مالك رحمه اللَّه وهم متقدمون وكذلك باقي الرواة عنه، ولم نجد لأحد من طبقة مالك عنه رواية على أن ابن أبي حاتم قد ذكر عن أبيه أن مالكًا روى عنه، فاللَّه أعلم.
وعلى تقدير أن يكون عمر بن ثابت ليس ممن يعتمد عليه فإن هذا لا يضر؛ لأنه لم يصرح بضعفه وغيره قد وثقه، والحديث قد صح أيضًا من رواية ثوبان وشداد ابن أوس فلا يضر هذا التوهم واللَّه أعلم.
وقال القاضي رحمه اللَّه في "شرح مسلم" عند حديث أبي أيوب: أخذ بهذا الحديث جماعة من العلماء، وروي عن مالك وغيره كراهية ذلك لما ذكر في "الموطأ". . . إلى أن قال: قال شيوخنا: ولعل مالكًا إنما كره صومها على هذا وأن يعتقد من يصوم أنه فرض، وأما على الوجه الذي أراده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فجائز، واللَّه أعلم.
وقال القرطبي رحمه اللَّه في "شرح مسلم" أيضًا: وقد أخذ بظاهر هذا الحديث جماعة من العلماء فصاموا هذه الستة أيام إثر عيد الفطر منهم الشافعي وأحمد بن حنبل وغيره ذلك، ثم ذكر كلام مالك في "الموطأ" الذي قدمناه، ثم قال: ويظهر من كلام مالك هذا أن الذي كرهه هو وأهل العلم المشار إليهم إنما هو أن يوصل تلك الأيام الستة بيوم الفطر لئلا يظن أهل الجهالة والجفاء أنها بقية من صوم رمضان، وأما إذا باعد بينها وبين يوم الفطر فيبعد ذلك التوهم وينقطع ذلك التخيل.
قال: ومما يدل على اعتبار هذا المعنى أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد حمى الزيادة في رمضان من أوله بقوله: "إِذَا دَخَلَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنِ الصَّوْمِ" (?)، وبقوله: "لَا