وقد أجاب مجلى في "الذخائر" عن هذا بأن اللفظ إنما يكون صريحًا في إيجاب الكفارة إذا لم ينو به الطلاق، وعند نية الطلاق لا يكون كذلك كما أنه إذا نوى به الظهار تجب به الكفارة العظمى، وفي هذا الجواب نظر وسيأتي ما هو أقوى منه.
وقد اتفق الأصحاب على أنه إذا نوى به الطلاق والظهار معا لا يثبتان جميعًا لما بينهما من التناقض؛ فإن الطلاق يزيل الملك والظهار يستدعي بقاءه، ثم اختلفوا على ثلاثة أوجه:
أَصَحُّهَا وبه قال ابن الحداد والأكثرون: أنه يتخير، فما اختاره منهما ثبت وترتب عليه حله.
وَالثَّانِي: أنه يكون طلاقًا؛ لأنه أقوى من جهة أنه مزيل للملك.
وَالثَّالِثُ: أنه يكون ظهارًا؛ لأن الأصل بقاء النكاح.
أما إذا نوى أحدهما (38) قبل الآخر:
فقال ابن الحداد: إن نوى الظهار أولًا نفذا جميعًا وإن نوى الطلاق أولًا، فإن كان بائنًا فلا معنى للظهار بعده، وإن كان رجعيًّا كان الظهار موقوفًا إن راجعها فهو صحيح والرجعة عود وإلا فهو لغو.
قال الشيخ أبو علي: وهذا عندي فاسد؛ لأن اللفظ الواحد إذا لم يجز أن يراد به التصرفان فلا يفترق الحال بين أن يريد أحدهما معًا أو يريد هذا ثم يريد هذا، وأيضًا فإنه إذا نواهما على التعاقب كانت كل واحدة من النيتين مقارنة لبعض اللفظ لا لجميعه وفي ذلك خلاف، قال: وموضع هذا النظر والتفصيل ما إذا قال: أنت علي حرام كظهر أمي.
قُلْتُ: هذه المسألة لها أحوال:
الحَالَةُ الْأُولَى: أن لا ينوي بها شيئًا فلا يقع بها طلاق؛ لأنه لم ينوه وليس اللفظ صريحًا فيه، والأظهر أنه يقع به الظهار وهو ما نص عليه في "الأم"؛ لأن لفظ الحرام يكون بانضمام النية إليه ظهارًا فلأن يكون ذلك كذلك مع اللفظ أولى، وأيضًا فإنه لو لم يأت بقوله حرام كان ظهارًا ولابد، فإذا أكد ذلك بالتحريم كان أولى.
ومن الأصحاب من قال: لا يثبت به ظهار بناء على ما تقدم أنه صريح في إيجاب الكفارة فيصير كما لو قال: أنت طالق كظهر أمي من غير نية، وقد قالوا أنه لا يقع به