صرح بإرادة الطلاق، قال: واللفظ ليس صريحًا في الظهار بل في التحريم والتحريم صالح للطلاق والظهار، وإنما اقتصر به على الظهار؛ لأن الأصل عدم الفرقة فإذا صرح بإرادة الطلاق انصرف إليه.
وأما الفرقة في إيقاع الثلاث وايقاع الواحدة فلأنه إذا قال: أريد به الطلاق -والطلاق اسم جنس محلى بلام الجنس- فيقتضي الاستغراق بخلاف ما إذا قال: أريد به طلاقًا؛ لأنه منكر لا عموم له فيقتصر على طلقة.
وحكى أيضًا فيما إذا قال: أنت علي كالميتة والدم، إن نوى به شيئًا من الطلاق أو الظهار أو اليمين نفذ فيه؛ لأنه يصلح جعله كناية في كل واحد منها؛ لأن التحريم ملازم لكل واحد منها، وإذا نوى به الطلاق لم يقع إلا واحدة إلا أن ينوي عددًا فينصرف إليه؛ لأن هذا من الكنايات الجلية كالبتة والبتلة والبائن إذا نوى بها الطلاق يقتضي الثلاث دون الخفية وقد تقدم هذا عنهم.
وإن لم ينو بهذا اللفظ شيئًا ففيه وجهان لهم:
أَحَدُهُمَا: إنه ظهار؛ لأن معنى قولها "أنت علي كالميتة والدم" أنت علي حرام، وذلك محمول على الظهار يعني على الراجح عندهم.
وَالثَّانِي: إنه يكون يمينًا؛ لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة العظمى، فإذا أتى بلفظ محتمل عمل بذلك الأصل ولا تثبت كفارة الظهار بالشك.
هذا بعض تفاريع (ص 36) المذاهب الثلاثة.
وأما تفريع أصحابنا فقد تقدم أن قاعدة المذهب أن هذا اللفظ يصلح كونه كناية في الطلاق أو الظهار؛ لأن التحريم ملازم لكل من المعينين وأنه إذا نوى به الطلاق وقع رجعيًّا إلا أن ينوي عددًا معينًا فيقع ما نواه، وهذه قاعدة الشافعي أيضًا في سائر الكنايات وإن كانت ظاهرة كالخلية والبرية والبائن والبتة ونحوها.
وقد احتج لذلك فيما روى البويطي عنه بأن أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اختلفوا في ذلك، قال: فوجدنا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ" (?).