غير الذي اختاره صاحب "الهداية" ونقله عن جماعة من المشايخ (ص 32) أنه إذا لم ينو به شيئًا يقع به الطلاق لغلبة الاستعمال، وذكروا فيما إذا قال: قصدت به الكذب خلافًا، فمنهم من قال: لا يلزمه شيء، ومنهم من قال: لا يلزمه شيء يصدق في الحكم؛ لأنه يمين ظاهرًا، وتمسكوا في كونه يمينًا يطرد في كل مباح بظاهر الآية من قوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} مع قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}.
قالوا: وظاهر الآية يقتضى أن التحريم بمجرده يكون يمينًا، وجعلوا ما ورد في بعض الطرق والحلف زيادة على ظاهر الآية فلم يقبلوه على، قاعدتهم، والاعتراض على هذا من وجوه:
أَحَدُهُا: ما تقدم أن تسمية التحريم يمينًا ليس على وجه الحقيقة بل هو مجاز كما سبق تقريره.
وَثَانِيهَا: أن الآية لا دلالة فيها على أن قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} المراد به التحريم السابق لو لم يرد فيه أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان أقسم؛ إذ يجوز أن يكون مراد الآية أن الذي شرعه اللَّه في الأيمان من الكفارة فهو جار في التحريم، ولا يلزم من ذلك أن يكون مجرد التحريم يمينًا فكيف وقد جاء أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جرى منه حلف وتحريم فإن من حلف على شيء لا يفعله فالتزام مقتضى اليمين يجعل ذلك الشيء كالمحرم عليه فارشد اللَّه تعالى إلى أن هذا الامتناع له منه خلاص بالكفارة، وهذا منطبق على الحديث الذي رواه الترمذي من أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (33) آلى وحرم [فجعل] (?) الحرام حلالًا وجعل في اليمين الكفارة.
وَثَالِثُهَا: إذا لم تكن دلالة الآية ظاهرة في أن المراد بالأيمان فيها هو التحريم؛ تعين الرجوع التي الروايات الواردة في سبب نزول الآية، وقد تقدم أن قضية شرب العسل ثبت في صحيح البخاري أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حلف عليه، وأن الأظهر في سبب نزول الآية أن تكون قضية مارية -رضي اللَّه عنها- لما تقدم من دلالة قوله تعالى: {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} على ذلك دون قصة العسل، وحينئذ فإما أن يكون وقع من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يمين