وأما مذهب الحنفية فالقول بأنه كناية في الطلاق يقع به إذا نواه تقدم توجيهه، لكنهم ضموا إلى ذلك اعتبار معنى اللفظ من التحريم فأوقعوا الطلقة إذا نواها بائنة؛ لأن الطلاق الرجعي عندهم لا يحرم الاستمتاع إلا أن ينوي الثلاث بذلك فتقع الثلاث، لكن قولهم: إن عند نية الاثنتين إنما تقع واحدة بائنة لا وجه له؛ إذ يجوز أن تقع عليه طلقة ثانية تكون بها بائنة فلا يمنع شيء من ذلك إذا نواها على أصلهم، وقالوا: إذا لم ينو بلفظ الحرام الطلاق لا يقع طلاق إلا أن يكون في حال مذاكرة الطلاق فإنه يحكم عليه به، وإذا قال: لم أنوه فيدين في الفتوى، وحكى صاحب "الهداية" عن بعض مشايخهم أنهم قالوا: ينصرف لفظ التحريم إلى الطلاق من غير نية بحكم العرف الشائع فيه، قال: وعليه الفتوى.
فأما إذا نوى به الظهار فيصير به مظاهرًا عند أبي حنيفة وأبي (ص 31) يوسف؛ لأن الظهار نوع حرمة فيصح جعله كناية فيه ويكون ذلك من حمل المطلق على المقيد بالنية.
وقال محمد بن الحسن: لا يصح به لعدم أداة التشبيه فيه التي هي ركن في الظهار.
وإن قال: أردت التحريم ولم أرد شيئًا؛ فعندهم أنه يمين تجب به الكفارة عند المخالفة وكذلك إذا حرم شيئًا من المأكول والمشروب ونحوهما، ولكن الفرق عندهم بين هذا واليمين من جهة أنه إذا حلف لا يأكلن هذا الرغيف لم يحنث بأكل بعضه، ولو حرمه لزمته الكفارة بأكل البعض.
قَالُوا: لأن تحريمه على نفسه بمنزلة قوله: واللَّه لا آكل شيئًا منه تشبيهًا له بسائر ما حرم اللَّه.
وَقَالُوا: إذا قال كل حل علي حرام انصرف ذلك إلى المطعوم والمشروب خاصة ولا ينصرف إلى الملبوس وغيره إلا بالنية، خلافًا لزفر فإنه قال بالعموم في كل الأشياء حتى تلزمه الكفارة عقيب كلامه؛ لأنه باشر فعلًا مباحًا وهو التنفس، واحتج الأولون بأن المقصود من لفظه وهو البر لا يتحصل مع اعتبار العموم فسقط اعتباره، وحينئذ ينصرف إلى ما يغلب استعماله وهو الطعام والشراب لأنه المعتاد غالبًا وهذا يرد عليه أن الملبوس أغلب منه؛ لأن عدم انفكاكه عنه أغلب من الطعام والشراب فلم لا يندرج تحت لفظه وكذلك الزوجة والأمة أيضًا لكن هذا القول على