ولكن يمكن توجيه ذلك باعتبار عموم اللفظ وأنه لا يقصر به على السبب الوارد عليه، والآية أشارت إلى التكفير بعد ذكر التحريم من غير تعرض لذكر اليمين؛ إذ لا يلزم من إشارته سبحانه إلى أنه شرع تحلة الأيمان أن (ص 29) يكون ما تقدم يمينًا كما سبقت الإشارة إليه؛ بل غايته أن الذي شرعه من تحلة اليمين يجري في التحريم وحينئذ فيحمل اللفظ على عمومه ولا يقتصر به على سببه إن كان [. . .] (?) على يمين محلوفة ولا يخلو هذا التوجيه أيضًا عن نظر.

وأما مذهب مالكٍ فقد تقدم أن المأخذ فيه ما تقدم عن علي وغيره من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أنه جعل الحرام ثلاثًا وأن ذلك مقتضى دلالة اللفظ؛ إذ به تحرم الزوجة، لكنه على القول المشهور لما كانت التي لم يدخل بها تبين بواحدة قال: إذا نوى به فيها واحدة لم يزد عليها وتقبل نيته لذلك.

ويرد على هذا أن اللفظ إذا كان مقتضاه البينونة الكبرى فلا ينبغي أن يختلف مدلوله بين المدخول بها وغيرها لاسيما وقد بنوا ذلك أيضًا على قاعدة لهم أن من الكنايات ما يقتضى وقوع الثلاث إذا نوى اللافظ بها الطلاق وإن لم ينو بذلك ثلاثًا وهي الخلية والبرية والبتة والبتلة والبائن والحرام، وفي ذلك بعض آثار عن بعض الصحابة وغيرهم ويلزم على هذا أن تكون هذه الكنايات أقوى من الصرائح؛ لأن الصرائح لا يلحق فيها عدد إلا إذا قصده إما بلفظ أو إشارة تفيده ونحو ذلك، ولا ريب أن الكنايات متقاعدة في الإفادة عن رتبة الصرائح فكيف يكون أعلى منها، ولهذا رجح ابن العربي وغيره من المالكية أن الحرام (ص 30) يقع به طلقة بائنة كما روى ابن خويز منداد عن مالك، ويرد عليه أن ذلك يقتضي كونه صريحًا في الطلاق والأمور المشترطة في كون اللفظ صريحًا في الطلاق غير موجودة؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا السنة بهذا المعنى ولا اشتهر في اصطلاح حملة الشريعة ولا اتفاق عليه أيضًا، وبقية الأقوال التي في مذهب مالك تقدمت الإشارة إلى مأخذها والاعتراض عليها كما ذكرناه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015