إعداد. محمد أحمد عبد الله
نشرت صحيفة الشرق الأوسط اليومية في عددها الصادر بتاريخ 22 جمادة
الآخرة عام 1407 هـ الخبر التالي:
«فرغت لجنة حصر منزل [رئيس عربي أفريقي سابق] بمقر القيادة العامة
للقوات المسلحة من أعمالها، وأدلى مصدر موثوق بمعلومات خاصة لـ[الشرق
الأوسط] تنشر لأول مرة عن محتويات المنزل، فأوضح أنها قد وضعت في ثمانية
عشر صندوقاً، يبلغ طول الواحد حوالي ستة أمتار، وحمولته تحتاج إلى رافعة،
وقال: إن فساتين زوجه قد بلغت 400 فستان، عدا الفساتين التي لم تستعمل بعد،
إضافة إلى 382 ثوباً و 200 ثوب جديد آخر لم يستعمل، وأكثر من 300 حذاء،
وكميات كبيرة من العطور. وأشار المصدر إلى أن في المنزل محطة أقمار صناعية، وجهاز التقاط لقنوات التلفزيونات الأجنبية، وقبانية خاصة، ومخبأ للطوارئ
وسلماً كهربائياً، ومهبطاً لطائرة هليوكبتر، بالإضافة إلى جهاز تصوير يعمل على
التقاط صور الأشخاص الذين يقتربون من المنزل.
وأضاف المصدر بان هناك كميات كبيرة من المسابح، والحصر، والأباريق، مشيراً إلى أن هناك غرفة طبية مجهزة بأحدث الأدوات الطبية، وكميات كبيرة
من الأسلحة والبطاطين والسجاجيد التي لم تستعمل. وقال: بأن هناك كميات من
الوثائق الأمنية، والدبلوماسية، موضحاً أن هناك أيضاً عشرين سيفاً من الذهب
الخالص، بالإضافة إلى الدروع، والأواني الذهبية.
وأضاف: إن مفاتيح المنزل أشبه بمفاتيح قارون -على حد وصف المصدر-
من كثرتها، كما توجد التلفزيونات والفيديوهات بعدد الغرف والصالات» .
ولنا على هذا الخبر الملحوظات التالية:
1- ذكرت صحيفة الشرق الأوسط اسم الرئيس السابق واسم زوجه.. وآثرنا
عدم ذكر الاسمين، تقديراً لمشاعر أهل وأقرباء العائلتين، ومن جهة ثانية، فليس
المقصود عندنا الاسم، وإنما المقصود معالجة هذه الظواهر المرضية التي يكثر
تكرارها في أماكن متعددة، مع أننا لم نكن في يوم من الأيام من المعجبين أو
المؤيدين لهذا الرئيس.
2- مما ينبغي التأكيد عليه أن الشعب الذي كان يحكمه هذا الرئيس كان - ولا
يزال - يعاني مجاعة مات بسببها عدد كبير جداً من الأطفال والشيوخ والنساء، وقد
امتدت يد المحسنين لهذا الشعب من جميع أنحاء العالم.. وبكل أسف لم يكن هذا
الرئيس وبطانته أمناء في توصيل المساعدات للمنكوبين الجائعين، وكان قد زعم،
عندما قام بانقلابه العسكري الذي جاء به إلى الحكم، أنه جاء ليحقق العدالة
الاجتماعية والمساواة بين أفراد شعبه، ولكن الذي حققه لشعبه: مجاعة وفقراً
وظلماً واحتكاراً.
وبداً الحكم فقيراً لا يملك غير مرتبه، وخرج من الحكم بعدد كبير من ملايين
الدولارات، كما تحدثت وكالات الأنباء والصحف العالمية والعربية، وهذه الملايين
مودعة في بنوك أوربا الغربية، وهذا يعني أن محتوى منزله لا يساوي شيئاً أمام
رصيده النقدي في البنوك الغربية، ومع ذلك فقد كان يتظاهر بالزهد والعفة والورع
والتقوى.
3- مصيبة المصائب أن آخر ورقة كان يتاجر بها الرئيس المخلوع هي
«تحكيم الشريعة الإسلامية» ، ونصب نفسه خليفة للمسلمين، وأول القوانين التي
وضعها تضمنت عقوبات صارمة ضد الذين يعارضون نظامه ويحاولون
الإطاحة به.
وخلال الفترة «الإسلامية المزعومة» كان الرئيس السابق دمية تحركها
الولايات المتحدة كما تشاء، وقد أمرته في أواخر عهده بالحكم أن يخفف من إصدار
القوانين الإسلامية فاستجاب، وأمرته بالبطش بالدعاة الذين كانوا يتعاونون معه
ففعل ... وأمرته بتدبير هجرة «يهود الفلاشا» إلى فلسطين المحتلة ففعل ...
وهناك فضائح أخرى ليس هذا موضع الحديث عنها.
4- وهناك سؤال يفرض نفسه بإلحاح: كيف نجمع بين المسابح والحصر
والأباريق - وهذا يعني أن الصلاة كانت تقام في قصره - وبين الترف والإسراف
اللذين جاوزا كل حد، لدرجة أن المصدر الذي نقلت عنه الشرق الأوسط قال:
«إن مفاتيح المنزل أشبه بمفاتيح قارون.. كيف نجمع بين هذا وذاك؟ ! ...
وجوابنا على ذلك:
إن الرئيس السابق كان لا ينكر إعجابه وإيمانه بالصوفية، وكانت الصحف
التي تجري معه مقابلات تنقل عنه مثل هذه التصريحات، وأكثر من هذا، فقد كان
الرئيس السابق شديد الإيمان بالخرافيين والسحرة والمشعوذين، وجاء في المذكرات
التي كتبها أحد بطانته -من الذين كان يستعين بهم - أموراً في غاية الغرابة.
ومن جهة أخرى فقد أقنعه مساعدوه ومستشاروه بأن للاتجاه الصوفي ثقلاً في
بلده، ويستطيع أن يستعين بهم ضد الدعاة الذين كان يتوجس منهم خيفة.
ومن جهة ثالثة فالصوفيون - عبر شيوخهم - مستعدون لخدمة أمثال هذا
الرئيس، بل وخدمة من هم أشد سوءاً منه، وتاريخهم الأسود في القديم والحديث
يشهد على ذلك، ومطالبهم بسيطة لا تتجاوز المال والمصالح المحدودة، وحلقات
الرقص والغناء التي يسمونها ذكراً.
وفوق هذا وذاك فقد كان الرئيس المخلوع متناقضاً، مزاجياً، محدود المدارك
العقلية، وغير مستبعد أنه ما كان يرى تعارضاً بين التحف التي يملكها، والمسابح
التي يوزعها على شيوخ الصوفية الذين يرتادون قصره.
5- لا أدري كيف يتمادى الظالمون في غيهم وظلمهم.. ولا يفكرون بأوراقهم
التي ستكشف، وأستارهم التي سوف تهتك، وأسرارهم التي سوف تفتضح؟ !
وكان هذا الرئيس المخلوع قد نجا من الموت أكثر من مرة، وتآمر عليه شركاؤه في
الحكم، ومن طبيعة هؤلاء الناس أنهم لا يثقون بمن حولهم من المساعدين
والمستشارين والأعوان، ومن الأدلة على خوفه من سوء المصير وجود مخبأ
للطوارىء في قصره..
ومن جهة أخرى فقد ابتلاه الله بعدة أمراض، والمرض يذكر الإنسان بقرب
أجله، وقصر عمره.. فكيف كان هذا الرجل غير مبال لا يفكر بيوم لا ينفعه فيه
قصره ولا ماله ولا حكمه؟ ! .
لقد نُحي هذا الرئيس عن الحكم، ومضى إلى حيث يمضي كل ظالم. وإذا
كان لابد من نصيحة للدعاة في هذا الموضع فنقول:
لن يشيد أركان هذا الدين إلا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وصبروا
على الأذى والابتلاء، وجاهدوا في سبيل الله، وزهدوا في نعيم الدنيا وشهواتها ...
أما النكرات، وأصحاب الأمزجة، والأهواء والمصالح فنرجوا لهم الهداية، ونسأل
الله أن يرزقهم التوبة وحسن الخاتمة.. وإذا تبدلت أحوالهم فجأة فلا نكذبهم بدون
دليل، ولكن لا نثق بهم، ولا نصفق لهم، ونسارع في التجمع حولهم والاستجابة
لأمرهم، إذا طلبوا البيعة لأنفسهم، وزعموا أنهم أصبحوا أئمة وخلفاء في هذه
الأرض.
لقد تركت تجربة هذا الرئيس آثارا سلبية استغلها أعداء الإسلام أبشع ... ... استغلال، وبكل أسف لم تكن التجربة الأولى في هذا العصر، ولكن نرجو أن تكون التجربة الأخيرة، ولا يسمح العاملون للإسلام للانتهازين مرة أخرى استغلال الإسلام والمتاجرة به.