المسلمون في العالم
أحداث (كنر)
ومقتل الشيخ جميل الرحمن
بحزن بالغ وألمٍ عميق تلقينا أخبار القتال المؤسف الذي وقع بين فصائل المجاهدين في ولاية (كنر) وما أعقب ذلك من الاغتيال الغادر للشيخ جميل الرحمن -رحمه الله- رحمة واسعة.
كان حرصنا دائماً أن نكتب عن انتصارات المجاهدين، وكنا ننتظر أخبار
فتح كابل، ولكن ضريبة التفرق والتحزب جاءت بأخبار القتال في كنر التي سالت
فيها دماء الشباب المسلم من المجاهدين العرب والأفغان. ولا ندري كيف يبيح
المسلم لنفسه قتل مسلم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، كم نتمنى أن
يؤب المسلمون هناك إلى الحق، ويتراجعوا عن هذه الأساليب ويتقوا الله في أنفسهم.
لقد وقعت أحداث قتل قبل هذا ولكنها ليست بهذا الحجم، وكنا لا نذكرها
حرصاً على سمعة الجهاد الأفغاني وخوفاً من شماتة الأعداء، ولكن ما وقع أخيراً
هو من الخطورة بمكان، ولا بد من توضيح الصورة على حقيقتها، حرصاً على
مصلحة الائتلاف ووحدة المسلمين، وحرصاً على نصيحة المسلمين بالابتعاد عن
الوسائل غير الشرعية في حل مشاكلهم.
وسنتكلم في هذه العجالة عن:
1- ولاية كنر والصراع عليها.
2- الأحداث الأخيرة ومقتل الشيخ جميل الرحمن.
3- البيانات الصادرة عن الأحزاب الإسلامية وجو الإشاعات المؤسف.
4- التنبيه إلى خطورة ما يكاد للجهاد الأفغاني من أعدائه الداخليين ومن
الخارج.
5- أهمية المنهج وخطورة الاتهامات ونقل الأخبار والدعوة إلى الوحدة
والائتلاف.
ولاية كنر والصراع عليها:
تقع ولاية كنر في شمال شرقي أفغانستان شمال مدينة جلال آباد، ويجري
فيها نهر كنر الذي يجتمع من عدة فروع أهمها وادي بيج حيث منطقة الشيخ جميل
الرحمن، وأما شمال الولاية فيكون منطقة (نورستان) التي يسكنها قبائل
النورستانية، وهؤلاء لهم وضعهم الخاص وتنظيمهم الذي ارتضوه منذ بداية
الجهاد، وقد تركتهم الأحزاب الأفغانية على أنهم واقع موجود مع مسالمتهم للجميع: وغالبية أهل كنر ممن تأثروا بالمنهج السلفي وبرز من دعاتها وعلمائها (في كنر) المتبعين لهذا المنهج:
الشيخ جميل الرحمن - جماعة الدعوة إلى القرآن والسنة
الشيخ محمد أفضل - نورستاني
الشيخ غلام رباني - الجمعية الإسلامية
الشيخ فقير الله - الحزب الإسلامي
كانت كنر من الولايات الأولى التي بدأ فيها الجهاد منذ عام 1978 في نهاية
حكم محمد داود الذي استغله الشيوعيون ثم انقلبوا عليه، والشيخ جميل الرحمن بدأ
الجهاد مع إخوانه أهل المنطقة منذ ذلك الوقت، ثم هاجر إلى باكستان وكان عضواً
في الحزب الإسلامي ثم انفصل عنه وكون تجمعاً خاصاً أطلق عليه فيما بعد (جماعة
الدعوة إلى القرآن والسنة) ، وقد دمرت قريته (ننجلام) تدميراً كاملاً من جراء
قصف الشيوعيين وبقي القسم الأسفل من الوادي وفيه العاصمة (أسد آباد) بأيدي
الشيوعيين إلى أن انسحبوا منها قبل ثلاث سنوات لأسباب غير واضحة، ربما
يكون منها أن ما تحتاج من حماية ودفاع أمام هجمات المجاهدين المستمرة أكبر من
أهميتها الإستراتيجية، وبعد هذا الانسحاب دخلت أحزاب المجاهدين إلى المدينة
وشكلوا مجلساً للشورى لحكم الولاية يرأسه غلام رباني ويرتبط بالحكومة الإسلامية
الأفغانية المؤقتة في (بشاور) ولكن جماعة الدعوة بزعامة الشيخ جميل الرحمن
رفضت الانضمام لهذا المجلس ورأت أنه مجلس غير صحيح، وأنها صاحبة الحق
في إدارة الولاية. باعتبار أن معظم السكان من أتباعها ثم جرت الانتخابات في
الولاية أكثر من مرة ولكن ثار جدال في نتيجتها مما دعى الجماعة أن تعلن حكمها
الفعلي للولاية وسلطتها الكاملة وتسمية الولاية باسم (إمارة كنر الإسلامية) وطلبت
من الأحزاب الانضمام والبيعة أو يخرجون، ولم تحصل مواجهة مع الأحزاب
لضعفها ما عدا الحزب الإسلامي الذي لا يرى استقلال الولاية بنفسها، ولذلك
حوصر مقر الحزب ثم سمح لأميره فقير الله بالخروج فذهب إلى قريته واعتزل
القتال الذي حدث بعدئذ.
الأجواء المشحونة وفتنة القتال الأخير:
حين رأى الحزب أن الجماعة سيطرت على الولاية قرر إلغاء هذه السيطرة،
خاصة بعد أن تسممت الأجواء بالإشاعات والاتهامات المتبادلة، ولا نستبعد أن
يكون هناك أطراف ثالثة لها مصلحة في إذكاء نار العداوة والبغضاء. وهي متآمرة
على الجهاد الأفغاني وهذه شنشنة نعرف من يقولها ويشيعها بين المسلمين، وتهجمت
جريدة الحزب الإسلامي (شهادت) على الوهابية وصنفتها بأنها مثل القاديانية وإن
كان الحزب قد اعتذر عنها في بيانه الصادر بتاريخ 18/2/1412 هـ حيث قال
«وقد نشرت في جريدة (شهادت) معبرة عن رأي كاتبها ولا تمثل الموقف الرسمي للحزب، ولقد ساءنا ما نشر في الجريدة» .
في هذه الأجواء المسمومة أصدر الحزب تحذيره للشباب العرب في كنر بأن
يخرجوا من الولاية للبعد عن أجواء الفتنة، وفعلاً ابتعد بعضهم إيثاراً للبعد عن
الفتن والخلافات، ورأى البعض أنه لا يمكن التخلي عن جماعة الدعوة واشتدت
الحرب الكلامية بين الطرفين، وأصدرت جماعة الدعوة بياناً توضح فيه وجهة
نظرها وتجددت مساعي الصلح ولكنها فشلت كلها وقام الحزب بأمر خطير، حيث
استقدم مجموعة كبيرة من المقاتلين من خارج المنطقة، وأما أهل المنطقة فالقليل
منهم من شارك سواء مع الحزب أو مع الجماعة.
استمر الهجوم عدة أيام، وقد شارك بعض أفراد الأحزاب الأخرى وليس كلها
مع الحزب الإسلامي في هجومه، سواء بصفته الرسمية أو الشخصية، ويظهر أن
الحكومة الباكستانية قدمت دعماً ظاهراً للحزب وكأنها ترى الوقوف بجانب القوي.
تمكن الحزب بعد الهجوم على الولاية من السيطرة على المنطقة المتنازع عليها وقد
وصل عدد القتلى والجرحى إلى المئات كما ذكرت بعض المصادر بينهم بضعة
عشر عربياً.
أثناء هذه الأحداث تكونت لجنة للمصالحة بتاريخ 18/صفر/1412 بمرافقة
الشيخ جميل الرحمن والمهندس حكمتيار من بعض الأخوة العرب من الذين لهم
علاقة طيبة بالطرفين، ومن أبرزهم الأخ أسامة بن لادن، وقد تقدمت اللجنة
بأعمالها حسب ما هو مقرر لها، وكان من المقرر أن تعلن وقف إطلاق النار بين
الطرفين صباح يوم الجمعة 20/2/1412.
وكان من قدر الله أن لا يصل وفد الحزب إلى مكتب الشيخ جميل الرحمن
للالتقاء بوفد جماعة الدعوة ويذهبوا إلى كنر لإعلان وقف إطلاق النار، وذلك
لوقوع الحادث الأثيم على الشيخ جميل الرحمن في منزله في منطقة (باجور) وهي
منطقة قبليه تقع على الحدود مع أفغانستان.
نبذة عن حياة الشيخ وكيف وقع الاعتداء عليه:
ولد الشيخ جميل الرحمن بن عبد المنان عام 1934 بقرية (ننجلام) بوادي بيج
من محافظة (كنر) ، وقد تلق علومه الدينية في أفغانستان وباكستان، وبعد ذلك بدأ
دعوته إلى التمسك بالكتاب والسنة، وكان من السباقين إلى مقارعة الحكومات
الشيوعية وفي عهد محمد داود أمرت الحكومة بالقبض عليه، وتتابعت الحملات
على قريته ففرّ الشيخ إلى الجبال ومعه تلاميذه وأبناء إخوته وبعد ذلك هاجر إلى
باكستان وأسس جماعة الدعوة إلى القرآن والسنة. وكان له جهود طيبة في تأسيس
المدارس الإسلامية في أوساط المهاجرين الأفغان والمناطق المحررة.
وبتاريخ 20/2/1412 الموافق 30/8/1991 تمكن القاتل عبد الله الرومي -
ليس هذه اسمه الحقيقي - المصري الجنسية [1] ، من الدخول إلى منزل الشيخ
بحجة السلام عليه وملاقاته، وجلس ينتظر ويقرأ القرآن وبعد أن أنهى الشيخ حديثه
مع أحد القادة اقترب هذا المجرم منه ليوهمه أنه يعانقه ثم صوب مسدسه وأطلق
رصاصات أصابت وجه الشيخ ورأسه عند منطقة الأذن، فقضى نحبه فوراً -رحمه
الله- وحاول القاتل الفرار ولكن الحرس انهالوا عليه بالرصاص فأردوه قتيلاً، وقد
أصدرت جماعة الدعوة بياناً تذكر فيه حادثة القتل نقتطف منه هذه الفقرة:
«ولئن ظن أعداء الدين أنهم بقتلهم للشيخ جميل الرحمن فإنهم سيقضون
على الدعوة التي آمن بها ودعا إليها فقد خاب ظنهم، وإن الله يقيض لهذا الدين من
يحمله ويدافع عنه ويقدم له نفسه وماله، والحمد لله الذي لم يعلق دينه على الرجال
ولم يتعبدنا بتعظيمهم ولا تقديمهم على الحق، ولسنا - بفضل الله تعالى - ممن
يطري ويغلو في قادتهم، فإن الشيخ أفضى إلى ما قدم - لا نقول أنه من الشهداء،
ولا في الجنان العلى، بل ندعو الله عز وجل أن يكون من الشهداء، ويعفو عنه
ويغفر له ويدخله فسيح جناته» .
مَنْ وراء هذه الجريمة:
لم يتهم الشيخ سميع الله نائب الشيخ جميل الرحمن والذي اختير أميراً للجماعة
بعده، لم يتهم أحداً ودعا للتريث وانتظار نتائج التحقيق كما أن الحزب الإسلامي
تبرأ من القتل وأدانه في بيان له بتاريخ 30/8/1991، ولم يعرف عن القاتل عبد
الله الرومي انتماء معين، وقد كان يسأل كثيراً عن لجنة الإصلاح، كتب إليهم
يستحثهم على الإسراع في إنهاء المشكلة، ويظهر أن قلبه امتلأ حقداً وبغضاً للشيخ، وساعد على ذلك الأجواء المسمومة التي أحاطت بالقتال في كنر ولا يستبعد أن
تظهر الأيام القادمة أنه كان مدفوعاً بشكل غير مباشر، من جهات تكره أهل السنة
وتخطط دائماً لاغتيال علمائهم، وريما تكون هي وراء مقتل الشيخ عبد الله عزام -
رحمه الله-.
وقفات مع الأحداث:
1- لا شك أن أجواء الاتهامات المتبادلة كان لها تأثير كبير في شحن النفوس
وجعل جهلة المسلمين يقدمون على قتل إخوانهم دون أن يرفّ لهم جفن، ووصلت
هذه الأجواء إلى حد تصريح حكمتيار بأن العرب الذين مع جميل الرحمن يرون أن
قتال الأفغان مقدم على قتال الشيوعيين [2] وأصدر الحزب في صحيفة (شهادت)
مقالات يتهم فيها ما يدعونه (الوهابية) بأنها صنيعة الإنكليز! ! ثم تبرأوا من ذلك
كما ذكرنا، وقد يوجد من الطرف الآخر الشباب المندفع الذي يتفوه بكلمات لا يدري
مواقعها، ولا يستعمل الحكمة في دعوة الناس، ولكن تبعة القتال الأخير تبق على
الحزب الإسلامي الذي استقدم جهال القبائل للإغارة على إخوانه، وكان الواجب
استعمال الطرق السلمية الشرعية ولو طالت.
2- إن أحداث كنر وغيرها من أحداث العالم الإسلامي تؤكد على أهمية
المنهج في حياتنا وأن الابتعاد عن هذا بالطرق الملتوية التي يسمونها (سياسة) لا
يوصلنا إلا إلى التفرق والضعف، وإن تقريب المبتدعة والمنحرفين والمشبوهين
وإعطاءهم من لين الكلام وأننا نجاهد معهم في خندق واحد، كل هذا لم ينفع شيئاً.
ونذكر القراء بما كتبناه في العدد الأول من البيان حول أهمية وضوح المنهج في
حياة المسلمين.
3- لا زلنا نحذر من المكايد التي تحاك ضد الجهاد الأفغاني سواء كانت مكايد
داخلية من أصحاب الفرق المنحرفة الضالة؛ أو مكايد خارجية من الدول التي لا
تريد أن تعلو كلمة لا إله إلا الله. وتاريخنا الإسلامي في القديم والحديث يشهد على
خطورة مثل هذه الاتجاهات، وعدم تورعها في ضرب أهل السنة في أحلك
الظروف.
4- إننا ندعو الإخوة الأفغان بعد هذا الحادث الأليم أن يتفكروا في أسباب
النصر، وأنه بيد الله يعطيه من يشاء من عباده الذين تتمحض صفوفهم للحق،
وتتوحد وجهتهم، وأن دولة الإسلام لا تقام على أشلاء القتلى والجرحى بين
المسلمين أنفسهم ولا باستغلال القبلية التي تزيد التفرق والتشرذم، ومن طبيعة
الجهاد في سبيل الله أنه يوحد الصفوف.
وبعد:
إننا ونحن نكتب هذه المقالة عن الأحداث المؤلمة التي جرت في كنر تطالعنا
الأخبار باتفاق أمريكا وروسيا على تصفية القضية الأفغانية أي تصفية الجهاد
الأفغاني عموماً وفرض الحل الدولي من خلال إجراءات تتفق عليها أمريكا وروسيا
مع دول المنطقة ذات العلاقة بالقضية الأفغانية، ولذا فنحن نحذر أصحاب القضية
الأفغانية ومن يتعامل معها أن يعينوا هذه التوجهات الدولية تجاه القضية الأفغانية من
خلال هذا القتال والتنازع والاختلاف وهي أحد الوسائل التي يراهن عليها أعداء
الجهاد الأفغاني لتصفيته ولا نكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة.
نسأل الله أن يعلي كلمته وينصر راية السنة ويوحد كلمة المسلمين على الحق.