د. مبارك الغربي الشمري
في هذا الزمان الذي يطلق عليه البعض عصر السرعة (صواباً كان أم خطأً)
هناك عوامل عدة تتطلب من الفرد المسلم مضاعفة قراءته وعمل خطة تثقيفية للرقي
بمستواه، ومن هذه العوامل ما يلي:
* الصحوة الإسلامية المباركة في أرجاء العالم الإسلامي والتي رفعت الوعي
الثقافي والتحصيل العلمي لدى جيل الصحوة.
* الارتفاع المطرد في عدد المطبوعات في العالم العربي في شتى المجالات.
* تحسن المستوى الاقتصادي نسبياً مع الانخفاض في أسعار الكتب المطبوعة
باستخدام التقنية الحديثة التي سهلت للكثير اقتناء الكتب وإنشاء المكتبات المنزلية.
* متطلبات الحياة العصرية أجبرت الكثير من الناس على الاطلاع على
الكتب لمعرفة أسرار هذه الحياة.
وعندما نتحدث عن القراءة يجب أن ندرك أنها متعددة الأنواع وتتمحور حول
أربعة فروع رئيسية:
(1) القراءة الثقافية: وتشمل الإلمام بالأولويات من أمور الدين والدنيا بما
فيها الثقافة الشرعية الواجبة على كل مسلم والمعينة له على التزام الطريق الصحيح
في هذه الحياة.
(2) القراءة الأكاديمية (الدراسية) : هذه القراءة تستوجب الفهم المتعمق لعدة
مواد ليتمكن المرء من اجتياز اختبار معين أو الحصول على مؤهل دراسي يعينه
على العمل وتحديد المهنة. والقراءة الأكاديمية لها عدة خصائص منها الإلمام بكل
نواحي المادة المقروءة، وتتميز أيضاً بعدم وجود عامل الاختيار الحر للمادة
المقروءة.
(3) القراءة المرجعية: نقوم بهذه القراءة عندما نرغب في البحث عن
معلومات معينة قد تتطلب الاطلاع على عدة مراجع أو كتب. فعلى سبيل المثال
تكون قراءتنا مرجعية عندما نبحث عن تفسير آية أو معرفة حكم أو صحة حديث أو
عند التحقق من معلومات جغرافية عن بلد معين ...
(4) قراءة المتعة: قد تكون هذه أقل القراءات شأناً وتشمل قراءة الصحف
والشعر وبعض القصص وما شابه ذلك، وهدفها غالباً يكون الترويح عن النفس وللتسلية.
ولا شك أن الدراية بأصول القراءة السريعة سوف تعود بالفائدة العظمى على
الفرد الواعي الطموح الراغب في استغلال وقته على أحسن وجه مهما كان نوع
قراءته. فالسؤال الذي يطرح إذن هو: ما هي القراءة السريعة وما هي مبادئها؟ .
القراءة السريعة - كما يدل عليها اسمها - هي عبارة عن أسلوب للقراءة
تتضاعف به كمية المادة المقروءة في وقت معين مع الاحتفاظ بكامل الاستيعاب.
فالفرد الذي يتقن هذه المهارة بإمكانه في المتوسط اختزال وقت قراءة كتاب معين
إلى الربع أو أقل، وهذا المتوسط يعتمد أيضاً على مستوى القارئ وثقافته ومدى
إتقانه وتدريبه على هذه المهارة، ولكن هناك بعض المبادئ الرئيسية والفرعية التي
بإمكان أي فرد أن يطبقها بنفسه، ويمكن تلخيص بعضها فيما يلي:
أولاً: المبادئ الرئيسية:
أ- مسح المادة المقروءة:
ويتلخص في الأقيام بعملية مرور سريع للتعرف الشكلي على المادة قبل
الشروع الفعلي في قراءتها. فمثلاً عند قراءة كتاب ما يمكن أن تتم عملية المسح
بالخطوات التالية:
* الاطلاع على مقدمة الكتاب والتعرف على أهداف المؤلف من كتابة الكتاب.
* التعرف على أبواب أو فصول الكتاب الرئيسية وعناوينها العريضة
وعلاقة بعضها ببعض.
* إلقاء نظرة سريعة على الأشكال التوضيحية المستخدمة في الكتاب وعلى
الخاتمة.
وكذلك يقال في المقال؛ حيث ينبغي التعرف على الموضوع وعلى الأهداف
والأسلوب العام للموضوع.
وعملية المسح هذه لها دور كبير في التحضير الذهني مما يساعد على سرعة
الاستيعاب وبالتالي على سرعة القراءة.
ب - إتقان أسلوب القراءة المطردة:
اعتاد كثير من الناس منذ الصغر على عملية التراجع لقراءة الكلمة أو الكلمات
مرة ثانية أو عدة مرات وأحياناً السطر بأكمله، وقد تستمر هذه العادة مع الشخص
حتى الكبر مع عدم وجود المبرر لها. فعملية التراجع عند القراءة تؤدي إلى تشتيت
الذهن وإعاقة تسلسل الأفكار لإكمال الصورة وترسيخ فكرة المادة المقروءة. ويعتبر
التراجع من أكبر عوائق القراءة السريعة.
ومن السهل التخلص من هذه العادة بالإصرار على عدم التراجع أو التوقف،
بل محاولة الاستمرار في القراءة، وبالطبع في المحاولات الأولى ستقل درجة
استيعاب المادة المقروءة ولكنها بعد التمرس ترتفع ثانية إلى ما كانت عليه سابقاً أو
أكثر.
ج - استخدام القراءة العينية المنتظمة:
إن عملية الجهر بالقراءة أو مجرد تحريك الشفاه تستغرق وقتاً أكبر وتتطلب
جهداً أكثر ويعتبر ذلك أيضاً من أكبر معوقات القراءة السريعة؛ ولذا يجب اجتناب
تحريك العينين بدرجة كبيرة بين بداية السطر ونهايته وباعتياد ذلك يتوسع مدى
العين وتتمكن من التقاط كلمات السطر في نظرة واحدة وبصورة منتظمة ومتتابعة
لكل سطر أو لكل مجموعة من الكلمات. ولا يمكن تحقيق هذا إلا بعد التخلص
نهائياً من عملية التراجع السابقة الذكر عند القراءة. فتطبيق هذه العملية سيريح
العين وينظم حركتها وسيؤدي في الوقت نفسه إلى مضاعفة سرعة القراءة.
د- التعايش مع المادة المقروءة:
هذا المبدأ مرتبط بسابقه، ويعني التركيز التام ومحاولة التعايش الخيالي في
جو الفكرة وربط أجزائها ببعض للوصول إلى الصورة النهائية لمفهوم الموضوع
المقروء. وهذا العنصر له مردود كبير أيضاً في سرعة استيعاب الفكرة وترسيخها
في الذهن بالإضافة إلى زيادة سرعة القراءة.
ثانياً: العوامل الفرعية:
هناك أيضاً بعض الصعوبات التي تبدو وكأنها قليلة الأهمية، ولكن لها دور
كبير منها:
أ - الجلسة الصحيحة:
عند القراءة يجب الجلوس جلسة صحيحة ومريحة بدون الاسترخاء التام؛
حيث إن الجلسة الخاطئة تعيق الدورة الدموية التي تؤدي إلى تدني سرعة الاستيعاب، أما الاسترخاء فيفقد التركيز. ولكن يمكن استغلال وقت الراحة والاسترخاء
لقراءة المتعة والتسلية التي لا تتطلب كثيراً من التركيز وليست ذات أهمية كبرى.
ب - اختيار الوقت والمكان المناسب:
يجب اختيار الأوقات التي تناسب نوع القراءة؛ فالقراءة الثقافية والأكاديمية
تتطلب أن يكون القارئ نشطاً كالصباح الباكر، وبعيداً عن الضوضاء والمقاطعات، وفي مكان تتوفر به التهوية والإضاءة المناسبة.
ج - تحديد مدة القراءة:
قبل الشروع بقراءة كتاب معين يجب تحديد طول الوقت المناسب لإكمال
قراءة الكتاب؛ فوجود عامل الضغط له أثر نفسي في رفع مستوى وسرعة القراءة
كنتيجة لتحديد الوقت.
وأخيراً - عزيزي القارئ - قد تتساءل عن مدى إمكانية تطبيق هذه المبادئ،
ولكن قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نتذكر بأن النشاط البدني الرياضي
يحتاج إلى التدريب والتمرين؛ لذا فإن فن القراءة السريعة من السهل جداً إتقانه،
ولكن بالتطبيق والتدرج.