ظواهر
محمد بخات الإدريسي
إن هذه الأصنام العصرية - مع الأسف رياضية - بمعنى أنها ظهرت في
عالم الرياضة، وباسمها وفي ميادينها، بحجة الجمال الجسمي، والكمال البدني،
واللهو البرىء، والتنافس الشريف، والتباري النظيف للترفيه عن النفس بما هو
رياضي، حتى يعيش الإنسان في حياة رياضية، وبذلك ينمو جسمياً ويزكو عقلياً،
إلا أن الرياضيين انحرفوا ومحبيهم انجرفوا، وقد كان هذا الإفساد الذي طرأ على
عالم الرياضة متوقعاً بل كان مقصوداً والبرهان هو التناحر والتقاتل والتنافر
والتعارض والضحايا في سبيل الرياضة وبالأخص كرة القدم.
كنت أسائل نفسي قائلاً وباحثاً: ألم ينحرف الناس من عشاق كرة القدم عن
أهدافها التي تبدو معروفة ومعقولة؟ ألم ينشغلوا بها إلى أبعد الحدود؟ ألم يلهوا بها
إلى حد المبالغة التي أدت إلى إضاعة حقوق وإزهاق أرواح؟ فأين الروح الرياضية
والتغني بها وأين سمو المقاصد منها؟ ؟
ولم يطل التساؤل ولا البحث، ولم أتهم نفسي بعدم التوفيق في وضع النقط
على الحروف، فقد وجدت الجواب المقنع أو بالأحرى الحجة الدالة على وجود
الأصنام العصرية بالأشكال الرياضية من بروتوكولات حكماء صهيون: ( ... إنما
توافق الجماهير على التخلي والكف عما تظنه نشاطاً سياسياً إذا أعطيناها ملاهي
جديدة أي التجارة التي نحاول، فنجعلها تعتقد أنها أيضا مسألة سياسية. ونحن
أنفسنا أغرينا الجماهير بالمشاركة في السياسات، كي نضمن تأييدها في معركتنا
ضد الحكومات الأممية (غير اليهودية) . ولكي نبعدها عن أن تكشف بأنفسها أي خط
ممل جديد سنلهيها أيضاً بأنواع شتى من الملاهي والألعاب ومزجيات الفراغ
والمجامع العامة وهلم جرا. وسرعان ما سنبدأ الإعلان في الصحف داعين الناس
إلى الدخول في مباريات شتى في كل أنواع المشروعات: كالفن والرياضة وما
إليهما. هذه المتع الجديدة ستلي ذهن الشعب حتماً عن المسائل التي سنختلف فيها
معه) [1] .
هذه الكلمات من البروتوكولات برهنت بها على وجود الانحرافات المرادة في
عالم الرياضة عند المحترفين والهواة على صعيد أي لعبة رياضية، ففي بداية شهرة
الرياضات كان المقصود منها شريفاً وظاهراً للعيان، ولكن بالتدريج تحققت لليهود
الفوائد المرجوة منها كمشروعات من بنات أفكارهم تستهدف القضاء على غير
اليهود بالإضعاف والاستعباد بالوسائل الرياضية، هذا الاستعباد الذي نتج بالتنافس
المريب، والإلهاء الدائم، والتحريض اللامشرّف، والتضييع للأوقات فيما لا يفيد
أو ينفع.
وحتى لا يستمر تجسيم عنصر الشر والفساد في شتى الرياضات أصبح من
الواجب تعليمها بحذر، ومزاولتها بتوجيه، والإقبال عليها بوعي، وبذلك نفوت
على يهود الأغراض التي يريدون منها، ونخيب رجاء حكماء صهيون فيما خططوا
له وابتكروا من وسائل وفنون رياضية تلهي وتضيع بالانشغال بها والانكباب عليها. ولعل الملاحظ المنصف يؤيدني في وجهة نظري هذه إذا تمعن فيما وضحت
واستنتجت خصوصاً إذا مثَّلت له بكرة القدم، هذه اللعبة التي ضيعت أوقات
الصغار والكبار وألهتهم عن معالجة مشاكلهم وتصحيح أوضاعهم وتحسين واقعهم
والتخطيط لمستقبلهم بالأفيد الأهم والأصلح الأعم.
ولكن أين نحن من هذه التحسينات الضرورية والتصحيحات الإصلاحية ما دام
الناس في غفلتهم المعهودة، كل تجمعاتهم عن الرياضة وكل مشاهدتهم لكرة القدم
حتى صاروا أساراها، وكيف لا يكونون ضحاياها وقد سلبت وقضت على إرادتهم
، وضيعت طاقاتهم بالاهتمام والافتتان بها، يحضرون تجمعاتها، ويقبلون على
مبارياتها، ويفرحون للانتصار ويحزنون للاندحار؟ ! وقد بلغ بهم الحب الأعمى
والتعلق بها إلى حضور حفلاتها والتفرغ لها غاية بعيدة، أما تجمعات الدين فقد
غدت مُهمَلة مهجورة.
وما الدين؟ أليس في نظرهم حياة على الهوامش حافلة بالمحظورات، مانعة
للشهوات، مضيعة للفرص مع الرغبات، مضيقة على النفوس، معطلة للطاقات! !
وقد انغمس في الرياضة وغلا في حبها الكبار، بل سلبت عقول الصغار
الذين لا تكاد تجد أحدهم يحادثك عن شيء غير كرة القدم، فهو يهمل ما عداها،
ويقبل عليها لعباً ومشاهدة، ويلم بتاريخها ويعرف مشاهير لاعبيها وفرقها المحلية
والعالمية، وان كلمته بالتدريج عن دينه ظهرت سلبيته فيه، وتجلت إيجابيته في
غيره، فهو مسوق، وهو مقلد، وهو مسحور بكرة القدم، وهو مقدس لها، وذلك
ما استهدفته بروتوكولات صهيون، وهكذا تجد عندهم العلم بأنواع الرياضات
وفرقها وأبطالها مع معرفة أسمائها وأسماء أعضائها المشهورين الذين يحفظون
أسماءهم عن ظهر قلب.. ولكن لا يحفظون فاتحة الكتاب ولا كلمات التشهد! [2] .
إن كرة القدم ومثيلاتها من بنات الرياضة - وبنات النظرة الجاهلية - أصنام
عصرية تجسم ضياع الإنسان العصري كما جسمت اللات والعزى ضياع الإنسان
العربي فيما مضى في جاهلية ما قبل الإسلام.