خواطر في الدعوة
محمد العبدة
من الأخطاء التي وقعت بها الدعوة الإسلامية في العصر الحديث - ولعلها
تحاول تلافيها الآن - التركيز على المدن من جهة وعلى الشباب المتعلم من جهة
أخرى، ولا نقول إهمال الريف وجماهير الأمة بشكل عام، ولكنه شِبه إهمال،
والحجة في هذا أن المدن فيها الجامعات والمدارس الثانوية وهي بؤر الشباب المتعلم
لا جدال في أهمية الشباب المتعلم، ولكن هل هذا كافٍ وحده للتغيير المنشود، وهل يقع التغيير دون التفاف الجماهير حول الدعاة والعلماء، الذين يبصرون
الناس بدينهم ويقودونهم إلى الغاية المطلوبة.
إن طاقات الأمة ليست محصورة بفئة معينة، فقد يتفوق مَن هو صاحب فطرة
سليمة وحب للدين على صاحب دراسات وكتب.
وعندما وضع الرسول - صلى الله عليه وسلم - العرب في الطريق الصحيح
تفجرت طاقاتهم وهم أمة أمية، ونشاهد الآن في أوربا مَن يصل إلى الوزارة بل
إلى رئاسة الوزراء ممن لم يدخل الجامعة قط، ولكنها الخبرة والتجربة والذكاء.
كنت في زيارة قريبة لبلد عربي، وصلَّينا مع بعض الزملاء في مسجد قرية
من قراه، كانت وجوه الناس تدل على الطيبة وأصالة المعدن ولكن - وفي الوقت
نفسه - كانت تدل على أنه لا يأتيهم أحد يعلّمهم أمور دينهم، ويصبح مرشدهم،
ويستفتونه في كل صغيرة وكبيرة، ويطيعون أوامر الشرع من خلال توجيهاته،
وتذكرت أن بعض القرى في بلد عربي آخر لا تبعد عن العاصمة إلا أميالاً وأهلها
من أجهل الناس، وكان الدعاة وطلبة العلم في هذه العاصمة لا يكلفون أنفسهم عناء
الذهاب إليهم للدعوة، كما تذكرت ما حدثني به أحد الإخوة الأفاضل - وكان يومها
طالباً يدرس في القاهرة - عندما ضمه مجلس مع أصحاب الاهتمام بالدعوة
وشؤونها، فسألهم عن هذه القضية وهل وقعت الدعوة في هذا الخطأ فاهتمت
بالمتعلمين من أهل المدن بشكل خاص، فأجاب أحدهم نعم؛ لأن المدن فيها
الجامعات والمدارس! ، فقال لهم: وما ذنب الريف وباقي جماهير الناس؟ ! .
لقد تبين مع الأيام أن الدعوة إن لم يلتف حولها الناس جميعهم، وتصبح قوة
يهابونها - فلا تستطيع أن تحقق أهدافها؛ لأن أي ظالم يمكن أن يدَّعي أمام الشعب
أن هؤلاء الشباب متهورون، متطرفون، معزولون في بعض الزوايا الخاصة إلى
آخر قائمة الاتهامات المعروفة، ولكنه لا يستطيع أن يستغفل الناس ويقول: هؤلاء
الدعاة والعلماء والتجار والصغار والكبار والنساء، كل هؤلاء يتسترون بالدين.
إن العلماء والدعاة الذين يتكلمون بالحق وبه يعدلون هم الذين تثق بهم الأمة،
وهم المؤهلون للتغيير.