خواطر في الدعوة
محمد العبدة
عندما كتب الإمام أبو المعالي الجويني كتابه في السياسة الشرعية المسمى
(غِيَاث الأمم في التياث الظُّلَم) أراد أن يقول إنه عندما يحزب المسلمين أمر، وتأتي
الفتن من كل مكان تشوش على المسلم، فلا يدري وجه الحق ولا أين يتجه،
ويصبح الحليم حيران، فالمعول عليه عندئذ هم العلماء الذي يبصرون الناس
بالحقائق ويبينون الصواب لأنهم أدرى الناس بمواقع الفتن، وكيفية المخرج منها.
وذلك لما فقهوا واستأنسوا من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولما
يعلمون من الترجيح بين الصالح والأصلح، والفاسد والأشد فساداً، ويعلمون قاعدة
دفع الضرر، رفع الحرج، ومثل هذا االصنف من العلماء يجب أن يكون على
علم وفقه دقيق بالواقع كما هو على علم واسع بالقواعد الشرعية، وكيف تطبق على
أرض الواقع.
إن الملاذ الذي يلجأ إليه العوام هم العلماء والدعاة، فهم المتَّبَعون، ولا يجوز
أبداً أن يكونوا هم التابعين يتحسسون آراء الشارع وتوجهات الناس، فيؤيدون هذا
الاتجاه أو ذاك إرضاءً لهم ومسايرة لعواطفهم الفائرة، وحتى لا تحترق أوراقهم.
هناك بعض أئمة المساجد من يعلم أن ذاك الأمر بدعة ولكنه لا يستطيع مخالفة
عوام المسجد! وكذلك نجدهم في الأمور الكبيرة التي تهجم على المسلمين فلا يدرون
أين المذهب، وتتفرق بهم السبل، هذا الصنف ممن يتصدر للزعامة، ويداري
ويجامل على حساب الحق، فهو مقود لا قائد. وكان الأوْلى به أن يصدع بالحق في
وقت يكون الناس في أشد الحاجة إلى العلماء الذين لا يجاملون ولا يداهنون.
كان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان يسأل رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- عن الشر والفتن مخافة أن يقع فيها، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله
عنه - يسأله ويستشيره في موضوع الفتن، فهل يتبصر الدعاة طريقهم عندما تشتبه
الأمور، ثم يقومون بتبصير الناس حتى لو أدى ذلك إلى معارضتهم واستغرابهم،
فإن هذه مهمتهم، وهذه هي الأمانة التي نِيطت في أعناقهم [لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ولا
تَكْتُمُونَهُ] [آل عمران: 187] .