مجله البيان (صفحة 5933)

قراءة في تداعيات الملف النووي الإيراني

مازن أبو بكر عبد الله باحميد

تعيش إيران مع حلفائها الغربيين أزمة حقيقية بسبب برنامجها النووي؛ حيث يرى الغرب أن امتلاك إيران للأسلحة النووية يعتبر تجاوزاً للدور الممنوح لها لتلعبه في المنطقة، وأن امتلاكها للأسلحة النووية يعد خطاً أحمر لا يمكن لها أن تتجاوزه. فامتلاك إيران للأسلحة النووية، وهي الدولة التي تطل على الخليج العربي، يجعلها قادرة على التحكم بإمدادات النفط العالمية التي تأتي من الخليج العربي، الذي يحتوي بدوره على أكبر احتياطي نفطي في العالم، وفي هذا تهديد بالغ الخطورة على الاقتصاد العالمي والغربي بشكل خاص، ولهذا فإن الغرب لن يسمح لإيران بتطوير برنامجها النووي مهما كلفه ذلك؛ فهو يدرك أن المواجهة مع إيران التقليدية اليوم أفضل من المواجهة مع إيران النووية في الغد، في حين ترى إيران أن امتلاكها لمثل هذا السلاح، سيضاعف من وجودها كقوة عسكرية إقليمية كبرى بطريقة تجعلها قادرة على تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية وثقافية في منطقة الشرق الاوسط العربية، وسيفتح الباب على مصراعيه أمام الحلم الإيراني بتصدير الثورة؛ بحيث تكون إيران قادرة على التدخل في شؤون دول المنطقة دون ان يتجرأ أحد على التدخل في شؤونها الداخلية، كما سيمكنها ذلك أيضاً من التأثير على القرار العالمي بسبب تمكنها من التحكم بورقة نفط الخليج.

ويبدو أن إيران على قناعة تامة بأن المكاسب التي ستحققها من جراء امتلاكها للتكنولوجيا النووية تفوق كل العروض التي يستطيع أن يقدمها الحليف الغربي لها، إذا هي تخلت عن برنامجها النووي، وأن الفرصة التي تمنحها الظروف الدولية الراهنة المواتية لإيران لتحقيق هذا الحلم قد لا تعود في المستقبل أبداً إذا هي أضاعت هذه الفرصة، ولهذا فإنها تبدو مصممة إلى أبعد حد على المضي قُدُماً في تطوير برنامجها النووي بما يمكنها من تخصيب اليورانيوم، وهي الخطوة الأهم في طريق الوصول إلى تصنيع الأسلحة النووية.

ومع ان إيران تدرك جيداً أن المواجهة العسكرية مع الغرب ليس في مصلحتها، وهي على استعداد كامل للتخلي عن كل برامجها النووية إذا أدركت ان الغرب قد اتخذ قراراً بالمواجهة العسكرية معها، غير أنها تدرك ان الغرب عاجز في هذه المرحلة عن الإقدام على فعل أي شي قد يجبرها على التخلي عن برنامجها النووي. فالغرب يدرك أن إيران اليوم باتت ممسكة بكثير من أوراق اللعبة السياسية في منطقة الشرق الأوسط: في العراق، وفي لبنان وسورية، وربما في أفغانستان، كما أنها تمتلك ترسانة عسكرية قوية، وقد بات بإمكانها خلق الكثير من المشاكل للغرب في المنطقة إذا هو أقدم على ضرب منشآتها النووية. ويأتي خوف الغرب من أن تذهب إيران وهي بقيادة أحمد نجاد المعروف بتشدده في حالة تعرضها لهجوم إلى ردات فعل انتقامية تهورية محاولةً منها لِلَّعب بالأوراق التي تمسك بها في المنطقة وهو ما قد يجعل الغرب يجد نفسه متورطاً في مواجهات عسكرية وسياسية قد تمتد على مستوى الهلال الشيعي الذي يمتد من لبنان إلى إيران مروراً بالعراق وسورية وربما بلاد الأفغان وبعض دول الخليج، وهو ما سيكلف الغرب والمنطقة الكثير. وفي هذا المقال نحاول قراءة الواقع والأوراق السياسية المؤثرة في هذا الملف وموقع كل طرف في هذه الأوراق.

\ الموقف الدولي من الملف النووي الإيراني:

لقد بنت إيران لنفسها وهي الدولة النفطية شبكة واسعة من العلاقات الدولية، استطاعت من خلال ذلك أن تجعل الموقف الدولي من ملفها النووي منقسماً حتى على مستوى الأعضاء الخمسة الكبار في مجلس الأمن؛ فالصين التي تربطها بإيران مصالح اقتصادية لا تستطيع أن تقف موقفاً متشدداً من إيران، ولعلها لا ترى في امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية أي تهديد مباشر لأمنها القومي، ولا ترى أن امتلاك إيران للأسلحة النووية من شأنه أن يخل بموازين القوى في وسط آسيا، الذي اختل أصلاً إلى غير مصلحة الصين في أعقاب التفجيرات النووية الهندية في نهايات القرن العشرين. أما موسكو التي تعج دبلوماسيتها بتناقضات كثيرة، وتتميز بضعف شديد في تقدير الأمور وفهم الواقع، والتي يرى رئيسها أنها وارثة مكانة الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة؛ فلعلها ترى أنها تستطيع من خلال تعاونها مع إيران الوصول إلى المياه الدافئة في الخليج العربي، وهو الحلم الذي دفع بالاتحاد السوفييتي السابق إلى احتلال أفغانستان في سبعينيات القرن العشرين، وخاصة أن العلاقات الروسية الأمريكية ليست على ما يرام بسبب السياسات الأمريكية والغربية التي قضت على ما بقي من النفوذ الروسي الموروث من الإمبراطورية السوفييتية في دول كثيرة مثل جورجيا وغيرها. ونتيجة لهذه المواقف المتباينة بين الخمسة الكبار في مجلس الأمن، تدرك إيران جيداً أن مجلس الأمن غير قادر على إصدار قرار يتيح استخدام القوة العسكرية ضد إيران، وهو القرار الدولي الوحيد الذي ـ في حالة صدوره ـ سيدفع إيران إلى التفكير الجدي في التخلي عن برنامجها النووي؛ لانه في حالة توجيه ضربة عسكرية لإيران تحت غطاء دولي وتحظى بإجماع المجتمع الدولي، فإن ذلك سيضيق من هامش المناورة السياسية والعسكرية التي ستقوم بها من ردة فعل في حالة تعرضها للهجوم. أما قرارات مجلس الأمن التي هي دون هذا القرار فإنها لا تحفز إيران على التخلي عن برنامجها النووي، إذا ما قارنت بين حجم الأرباح والخسائر؛ فالضرر الحاصل عليها من جراء تطبيق مثل هذه القرارات والتي ستكون في أسوأ الأحوال عقوبات اقتصادية محدودة، لا يرقى هذا الضرر لأن يدفع بها أو يجبرها على التخلي عن برنامجها النووي على الأقل في هذه المرحلة.

ويبقى الخيار الأوحد أمام الغرب والولايات المتحدة لإيقاف أنشطة إيران النووية، هو توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية من دون الرجوع إلى مجلس الأمن. ولكن هذا الخيار يصطدم بالظروف السياسية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والتي هي اليوم قد باتت في صالح إيران وهو ما يُظهر الغرب عاجزاً عن القيام بأي عمل عسكري ضدها.

العراق:

يعتبر العراق أهم الأوراق السياسية التي يمسك بها الإيرانيون بقوة؛ فمنذ سقوط بغداد في يد الأمريكيين ظهر التحالف الإيراني الأمريكي جلياً داخل العراق، من خلال تحالف واشنطن مع الأحزاب الشيعية الرافضية التي تدين بالولاء لإيران، والتي تمسك بزمام الحكم في العراق اليوم، وقد استغلت إيران هذا التحالف في تعزيز حضورها وتقوية نفوذها في العراق عن طريق الميليشيات الشيعية أو ما يسمى بـ (فرق الموت) التي دأبت على قتل وتعذيب السنة وتهجيرهم للانفراد بالسلطة والنفوذ داخل العراق؛ وتنبئ الأحداث الجارية في العراق عن مدى نفوذ هذه الميليشيات ومدى تغلغلها داخل أجهزة ومفاصل الدولة في عراق اليوم.

وعلى الرغم من انزعاج الأمريكيين الشديد من تزايد النفوذ الإيراني من خلال هذه الميليشيات، غير أن الأمريكيين ليس لديهم الكثير مما يمكنهم فعله إزاء هذه الميليشيات؛ فشراسة المقاومة العراقية السنية التي قلبت كل الحسابات والتوقعات، والحضور القوي لتنظيم القاعدة فيها والذي يرفض بدوره أي حوار أو مهادنة مع الأمريكيين، ومن ثَم عدم قدرة الأمريكيين على إقامة نظام سياسي قائم على التوازن الطائفي في داخل العراق، يعمل هذا النظام على الحد من النفوذ الإيراني ويكون ذا رغبة جامحة في التصدي للمقاومة العراقية السنية أو ما يسميه الأمريكيون بالإرهاب، كل هذا سيُبقي الأمريكيين في حاجة ماسة لخدمات الأحزاب الرافضية وميليشياتها، للتصدي للمقاومة العراقية السنية التي تدك معاقل الأمريكيين؛ حيث تتألف المؤسسة العسكرية والأمنية في العراق اليوم من عناصر هذه الميليشيات، كما أن ضربة عسكرية أمريكية لإيران قد تخلق تشققات كبيرة في التحالف الشيعي الأمريكي في العراق وقد تنهيه، وهو ما قد يخلق للأمريكيين الكثير من المشاكل في العراق، وما سيزيد من تعقيدات الوضع العراقي المعقد أصلاً.

ويبدو أن الأمريكيين كانوا على اقتناع بأن إقامة توازن سياسي طائفي في داخل العراق هو السبيل الأوحد لاحتواء النفوذ الإيراني في ظل الأوضاع الداخلية التي يمر بها العراق والأوضاع الإقليمية، ولكن هذا التوازن يصطدم بمعارضة القيادات السنية الحقيقية والمؤثرة في الشارع السني على أي مشاركة في العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والجارية في ظل الاحتلال، كما تتزايد الصعوبات أمام إمكانية إقامة هذا التوازن، وتتضاءل فيه الآمال مع مرور كل يوم في ظل العنف الطائفي الذي تشنه ميليشيات الموت الرافضية والذي ما فتئ يُلحِق بالغ الضرر بالتركيبة الطائفية في العراق لصالح النفوذ الإيراني وعملائه من الروافض.

وتأتي الرغبة الأمريكية في التقارب مع البعثيين والتي يعبر عنها قرار الحكومة العراقية بدعوة أفراد وضباط الجيش السابق للانضمام إلى الجيش الجديد في إطار مساعي واشنطن اليائسة من إقامة هذا التوازن، ولكن هذه الرغبة جاءت متأخرة جداً؛ فقد بات من الصعب على الأمريكيين استئصال هذه الميليشيات التي باتت موجودة وبقوة في كل مفاصل الدولة في العراق، وهذا ما قد يدفع واشنطن إلى الخضوع للأصوات التي تدعو لفتح حوار مباشر مع طهران في إطار حل شامل للملف العراقي.

وهنا تدرك واشنطن أن حلاً شاملاً للملف العراقي يقوم على فتح حوار مع إيران سيفضي حتماً إلى عقد صفقة معها، وحتماً لن يكون ملفها النووي بمنأى عن هذه الصفقة، وهذا ما يعني أن مثل هذا الحوار سيحقق الكثير من المكاسب للإيرانيين، وسيكون في مصلحة ملفهم النووي، وهذا ما ترفضه واشنطن في هذه المرحلة.

أما المؤتمر الذي عقد في بغداد والذي جمع بين الامريكيين والإيرانيين والسوريين فلا يعدو أن يكون محاولة أمريكية للالتفاف على السياسات الإيرانية بتوريطها في التزامات أمنية مشتركة داخل العراق، كما يعد المؤتمر فرصة للأمريكيين لمعرفة الطرح الإيراني في الحوار فيما لو أرغمت واشنطن على التحاور مع إيران في المستقبل بشكل جاد.

وإذا استطاعت واشنطن في هذه المرحلة احتواء النفوذ الإيراني في العراق بإقامة توازن سياسي طائفي هناك، أو استطاعت الخروج من العراق دون اللجوء إلى الحوار مع إيران، فإن إيران ستفقد بذلك ورقة سياسية مهمة لطالما استخدمتها ببراعة في مواجهة الضغوط الغربية بشأن ملفها النووي، وهو ما يخيف الإيرانيين كثيراً؛ ولهذا فإن إيران ستعمل على إثارة الطائفية وافتعال الأزمات وتازيم الوضع الأمني لإجهاض أي حلول من شأنها أن تنهي التورط الأمريكي في العراق سواء كانت هذه الحلول لصالح الشعب العراقي أو لصالح الأمريكيين، وستعمل على توسيع نفوذها في العراق عن طريق الميليشيات وفرق الموت الشيعية، وستعمل على إجهاض أي تحركات أمريكية من شأنها إقامة توازن طائفي يحد من النفوذ الإيراني في العراق؛ وذلك بالاستمرار في تصفية القيادات السنية القادرة على تحقيق مثل هذا التوازن، ولعل مذكرة الاعتقال والجلب التي أصدرتها الداخلية العراقية في حق الشيخ حارث الضاري تكشف عن مدى خوف الإيرانيين من سقوط الورقة العراقية من أيديهم، وتكشف أيضاً عن مدى رغبتهم الجامحة في تصفية الخصوم حتى خارج العراق.

\ لبنان:

تعد إسرائيل أكثر الدول ترشيحاً لتنفيذ الضربة العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، ولهذا بادرت إيران بإيصال رسالة إلى الإسرائيليين عن طريق حزب الله في ما يعرف بـ (حرب لبنان) ومفاد هذه الرسالة أن الكثير من المنشآت الحيوية والاستراتيجية الإسرائيلية باتت في مرمى الصواريخ الإيرانية، التي ستسقط عليها بالمئات من جنوب لبنان، وأن إيران إن تجنبت قصف هذه المنشآت خلال ما عرف بحرب لبنان فإن هذه المنشآت قد لا تسلم في المرة القادمة إذا أقدمت إسرائيل على أي عمل عسكري ضد إيران، وأن حزب الله قادر على قصف العمق الإسرائيلي في حالة صدور قرار سياسي من إيران يأمره بذلك، وعلى إسرائيل أن تعيد النظر جيداً في حال تفكيرها بتنفيذ عمل عدائي ضد إيران.

إلا أنه، ومع ذلك كله، تبقى إسرائيل أبرز المرشحين لتنفيذ الضربة العسكرية في ظل التورط الأمريكي الكبير في العراق؛ لأن ذلك سيؤدي إلى محدودية الرد الإيراني، وسيضعف المبررات الإيرانية في الرد على هذه الضربة بقصف القواعد الأمريكية في الخليج أو إغلاق مضيق هرمز؛ حيث سينحصر الرد الإيراني في ضرب بعض مواقع التجمعات السكانية والقليل من المنشآت الحيوية والاستراتيجية داخل إسرائيل بصواريخ شهاب، وهو ما سيراه الغرب رداً طبيعياً، ولكن لا أظن أن إيران ستُقْدِم على الإضرار الكبير بالمنشآت الحيوية والاستراتيجية الإسرائيلية كما رأينا ذلك في ما يعرف بحرب لبنان؛ لأن ذلك سيدفع إسرائيل لأن ترد مستهدفة مواقع حيوية متنوعة داخل إيران وهو ما قد يفضي إلى دمار كبير في الجانبين.

وقد تبدأ إسرائيل عملها ضد إيران أولاً بحملة عسكرية على لبنان، تستهدف من خلالها حزب الله؛ لأن الصواريخ الإيرانية التي ستنطلق من جنوب لبنان ستكون أكثر ضرراً على إسرائيل بسبب كثافة القصف الذي عادةً ما تستخدم فيه الصواريخ التكتيكية (الكاتيوشا) المتاحة بكميات كبيرة لدى حزب الله، بعكس الصواريخ الاستراتيجية التي ستنطلق من إيران والتي عادة ما تكلف الكثير من الأموال، ويكون من غير المجدي استخدامها لحمل رؤوس تقليدية، وهو ما يجعل الرد الإيراني من هناك أكثر محدودية. وفي حالة قيام إسرائيل بحملة عسكرية ضد حزب الله فإنها ستكون هذه المرة حملة شاملة، قد تمتد لضرب خطوط إمداد حزب الله داخل الأراضي السورية لحسم المعركة وإجبار الحزب على الاستسلام، ولا أظن أن إسرائيل ستكترث برد الجيش السوري؛ حيث سينحصر الرد السوري في استمرار سورية بإمداد حزب الله بالسلاح الإيراني.

وتتمحور السياسة الإيرانية في لبنان في مرحلة ما بعد ما يسمى بحرب لبنان الأخيرة حول هدف واحد، وهو الإبقاء على سلاح حزب الله كذراع عسكرية وورقة سياسية قوية في يد إيران، وسنشهد في لبنان الكثير من العواصف والمناورات السياسية الحادة جراء ذلك بين الفرقاء اللبنانيين، وفي إطار ذلك يأتي انسحاب حزب الله وحركة أمل اللذين يمثلان السياسة الإيرانية والسورية في لبنان من الحكومة اللبنانية الحالية، ودعوتهما إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية؛ حيث ستكون مثل هذه الحكومة عاجزة عن اتخاذ أي إجراء في اتجاه نزع سلاح الحزب.

\ نهاية الأزمة:

وهكذا فإن قضية الملف النووي الإيراني تحكمها الكثير من القضايا والملفات الإقليمية المعقدة تعقيداً بالغاً، والتي ما زالت مفتوحة في كل من العراق ولبنان وغيرهما، وهو ما يعني أن حل الأزمة مرهون بما ستؤول إليه هذه الملفات والقضايا، وأن أزمة الملف النووي الإيراني على المستوى المنظور تبقى مرشحة للاستمرار دون حل، وهذا في حد ذاته ما يثير قلق الغرب؛ فاستمرار المحادثات مع إيران بشأن برنامجها النووي إلى ما لا نهاية سيُكسب إيران الكثير من الوقت الذي سوف تستغله دون شك في تسريع أنشطتها النووية، علها تحقق بذلك إنجازاً نووياً يمكِّنها من دخول النادي النووي قبل أن تتغير الظروف السياسية في المنطقة لغير صالحها، وفي حالة تحقيق إيران لهذا الإنجاز فإنه سيجبر الغرب على التعامل معها كقوة نووية لا يمكن أن تٌبتز بالتهديدات العسكرية. وهكذا فإن حل أزمة الملف النووي الإيراني يبدأ من حل هذه القضايا والملفات المعلقة في الشرق الأوسط؛ فإذا أَمِنت إسرائيل من صواريخ حزب الله فإنها ستكون مطالَبَةً أمريكياً بضرب المنشآت النووية الإيرانية، وعند استطاعة الأمريكيين التخلص من تورطهم في العراق فإن الباب سيكون مفتوحاً أمامهم للقيام بهذه الضربة، إلا أن إيران التي تستغل الظروف السياسية للمنطقة إذا ما أدركت أن هذه الظروف قد تغيرت وباتت في غير صالحها، وأدركت ان الغرب قد اتخذ قراره باستخدام القوة العسكرية ضدها فإنها ستكون على استعداد تام للتخلي عن كل أنشطتها النووية؛ لأنها لن تسمح أبداً بحدوث دمار شامل لإيران بسبب حلمها بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وستفضل العودة للتعاون مع الغرب، في إطار مشروعه (الشرق الأوسط الجديد) الذي سيكون لإيران دور بارز فيه في محاربة ما تسميه واشنطن (الإرهاب) في المنطقة والذي يعد من أهم الشروط الأمريكية للشرق الأوسط الجديد، وهو التعاون الذي رأيناه سائداً بينهم في حرب أمريكا على أفغانستان والعراق والذي لا يزال التحالف الإيراني الأمريكي فيه واضح المعالم، لا ينكره إلا أعمى البصر والبصيرة.

والذي يؤلم في كل هذا هو الصمت المطبق والغياب الكبير للمسلمين السنة عن كل ما يدبر من مؤامرات وكل ما يجري من سياسات من حولهم، والتي تستهدف أراضيهم وثرواتهم وتاريخهم ودينهم؛ فأين أنتم يا أهل السُّنَّة؟! فلقد تداعت عليكم الأمم، وإلى الله المشتكى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015