مجله البيان (صفحة 5790)

استقطاب المطوعين في القطاع الخيري بين الواقع والمأمول

عمر بن نصير البركاتي

ü أولاً: المداخل والمقدمات:

1 - ما هو الاستقطاب؟

يعرِّف خبراء الإدارة الاستقطاب بأنه: تشجيع الأفراد الذين يملكون المهارات المطلوبة للتقدم للعمل في المنشأة (?) .

2 - من هو المتطوع؟

المتطوع: هو شخص يقدم خدمة بإرادته الحرة، دون الحصول على تعويض مالي (?) .

إن استقطاب المتطوعين يعني كيفية انتقاء المتطوعين واستثمار خبراتهم ووقتهم وحماسهم، وتسخيرها للعمل التطوعي (?) .

3 - مصادر التطوع:

كافة أفراد المجتمع يمكن الاستعانة بهم في مجالات العمل التطوعي، وهذه إشارة إلى بعض المصادر التي يغفل عنها بعض قادة القطاع الخيري:

أ - الطلاب على مختلف مستوياتهم خصوصاً أهل التخصص في الخدمة الاجتماعية؛ لأنهم أكثر إدراكاً لحاجة المجتمع للتطوع.

ب - المتقاعدون.

ج - النساء.

د - الأطفال.

هـ - المستفيدون من الجمعيات الخيرية.

ثانياً: تقنيات الاستقطاب (?) :

1 ـ تحديد الحاجة إلى المتطوعين: فليس المراد هو كثرة أعداد المتطوعين، بل المطلوب المتطوع المناسب في العمل المناسب، وإن أية محاولة لتوظيف المتطوع دون أن يكون هناك إعداد لوظيفة مناسبة له، كالذي يبيع سلعة لا وجود لها.

2 - الاختيار الصحيح للمتطوع: وهذا يسهم في توفير القدرة على استغلال سليم لطاقات المتطوع، وتخفيض كلفة الإعداد، وعدم تحميل المتطوع فوق طاقته، وتفهم المتطوع لأهداف وتطلعات الجمعية أو المؤسسة.

3 - التدريب والتأهيل: إذ إن التدريب سوف يبلور موقف المتطوع، ويساعده على إنجاز العمل المطلوب بكفاءة أعلى، كما أنه يلعب دوراً بارزاً في شد المتطوع للجمعية، واستمراره متطوعاً لأطول فترة ممكنة، واستغلال طاقاته بشكل أفضل على الصُّعُد كافة.

4 - الإطار التنظيمي: وتكمن أهمية ذلك في أن المتطوع مُعرَّض للشطط من ناحية، وللتوقف عند مواجهة أية صعوبات من ناحية أخرى؛ فتأطير العمل يساعد على تحقيق مسألتي الاستمرارية والمتابعة.

5 - توفير الإمكانات: حتى يعمل المتطوع وينجز العمل المكلف به لا بد من توفير التجهيزات المساعدة، سواء كانت معدات، أو آلات، أو وسائل، أو مكاتب؛ لأن ذلك يوفر للمتطوع الجو المناسب للعمل.

6 - التقييم: من المفيد تقييم جهود المتطوعين تقييماً علمياً، كما أنه لا بد من اشتراك المتطوعين في هذه العملية؛ من أجل التعرف على النتائج المحققة، وسد الثغرات في رسم الخطط المستقبلية.

7 - التحفيز والتنشيط: ومن ذلك الاعتراف الدائم بإنجازات المتطوع وعطاءاته، والمشاورة وتقبل الاقتراحات، والشكر والتقدير، وإزالة العقبات، إلى غير ذلك من الوسائل.

ü ثالثاً: عوامل نجاح عملية الاستقطاب:

من أهم عوامل النجاح لعملية الاستقطاب:

1 - إعداد قسم مختص يشرف على شؤون المتطوعين.

2 - لوائح ونظم إدارية تحكم عمل المتطوعين، وتوضح مسؤولياتهم وواجباتهم وحقوقهم.

3 - أعمال حيوية ذات طبيعة جذابة، وإنتاجية ملموسة (?) .

4 - الاستفادة من تجارب الجمعيات الخيرية التطوعية في البلدان المختلفة، والاستنارة بخططها (?) .

5 - تطبيق تقنيات الاستقطاب.

6 - دراسة أسباب التسرب التطوعي للمتطوعين داخل الجمعيات والمؤسسات الخيرية لمعالجة الأخطاء وتجنبها مستقبلاً.

ü رابعاً: الفوائد والآثار الإيجابية لعملية الاستقطاب:

تتعدد الفوائد والآثار الإيجابية لعملية الاستقطاب، ولعل من أبرزها:

1 - تغطية النقص أو القصور الذي يمكن أن تعاني منه الجمعيات أو المؤسسات الخيرية سواء من الناحية المالية أو القوة البشرية، ومن ثم تحقيق أهداف الجمعيات دون تحمل أعباء مالية إضافية إذا ما قام بالعمل موظفون رسميون، ويمكن الاستفادة من هذه الأموال في مشاريع أخرى مع التنبيه على الحقائق التالية:

أ - إن المؤسسات والجمعيات الخيرية لا تستطيع الاستغناء عن العمل التطوعي، كما أنها بحكم واقعها المؤسسي تحتاج إلى العمل المأجور الذي يضمن لها حداً أدنى من الاستقرار والإنجاز؛ لذلك لا بد من وضع هيكلها التنظيمي بحيث يجمع بين هذين النوعين من الأعمال، فتخصص للعمل المأجور المفاصل الأساسية التي تشكل البنية التحتية المستمرة للمؤسسة، وتستفيد من العمل التطوعي في أذرعها التنفيذية.

ب - للقوى العاملة في المؤسسات والجمعيات الخيرية مجهود ضخم، وليس من الإنصاف أن تهضم حقوق هذه الفئة؛ بحجة دعم العمل التطوعي، بل لا بد من توفير الرواتب والعطاءات المجزية، والسعي لتطبيق سقف من الضمانات المحفزة لبقاء اليد العاملة (?) .

ج - عند تعيين عدد كبير من الموظفين لتنفيذ العمل فإن هذا يعني إهدار الكثير من المال، وللأسف تتبنى بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية هذا الاتجاه، كما هو الحال في بعض الشركات التجارية، إضافة إلى ما يصاحب ذلك من إشكالات أخرى.

أما عن حجم الإنفاق على القوى العاملة فالتقارير السنوية لا تتعرض لذكره (?) ، إضافة إلى أن بعض الإدارات الخيرية تمانع في البوح بها، وتعتبرها من الأسرار الخاصة، كما أن بعض المؤسسات تشكو من عدم الاستقرار الوظيفي لديها.

2 - يساهم استقطاب المتطوعين في علاج مشكلة البطالة؛ فهو يعوِّد الإنسان على العمل والإيجابية، وقد تفسح له فرصة للعمل، ومن ثم الحماية من الوقوع في السلوك المنحرف.

3 - اكتشاف القيادات وتدريبها وزيادة مهارتها.

4 - زيادة إنتاجية الأعمال الخيرية؛ فمما لا شك فيه أن إسهامات المتطوعين تزيد من الإنتاج؛ وذلك لامتياز العمل التطوعي بالحماس في الأداء ـ وهذا ما يُفقد في العمل الروتيني ـ وإمكانية سد الثغرات الموجودة في الجمعيات في بعض التخصصات النادرة.

وبالنظر إلى لغة الأرقام يكفي أن نعلم أن معدل ساعات التطوع في أمريكا عام 1994م كان موازياً لعمل (9) ملايين موظف، وبلغت قيمة ما تُطُوِّع به من وقت (176) بليون دولار (?) ، ويقول «بيتر أف دراكر» : وقليل من الناس يعرفون أن قطاع الهيئات التي لا تبغي الربح هو إلى مدى بعيد يعتبر أكبر صاحب عمل في أمريكا، ويعمل فيها واحد من بين كل اثنين من البالغين ـ إجمالي عددهم يزيد عن (80) مليون شخص متطوع لمدة خمس ساعات في المتوسط لكل أسبوع في مؤسسة واحدة أو عدة مؤسسات مما لا تبغي الربح، ويعادل ذلك عشرة ملايين وظيفة لكل الوقت، ولو أن هؤلاء المتطوعين حصلوا على مقابل عملهم لبلغ أجرهم محسوباً على الحد الأدنى حوالي (150) مليار دولار أو (5%) من إجمالي الناتج المحلي؛ والعمل التطوعي آخذ في التغير السريع (?) .

فكيف لو توفرت مثل هذه الأرقام لجمعياتنا الخيرية؟!

ومما يؤكد هذا الأثر تنوع اختصاصات المتطوعين؛ حيث يغطون معظم التخصصات التي تحتاجها الأعمال الخيرية ومساهمتهم في جمع التبرعات، ورسم سياسات الجمعيات التي يتطوعون فيها، وكل تلك الأعمال تسجل زيادة في الرصيد الإنتاجي للجمعيات.

ومما تحسن الإشارة إليه أن هذه الزيادة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحسن إدارة الجمعية للمتطوعين والاستغلال الأمثل لطاقاتهم وقدراتهم.

5 - توفير وقت الموظفين لنواحي العمل التي تتطلب مهارات فنية أكثر (?) .

ü خامساً: محاذير وأخطاء في عملية الاستقطاب:

1 - أن يصبح الاستقطاب تعصباً للجمعية أو المؤسسة ومواجهة مع الجمعيات الأخرى، ولو كانت تعمل في المجال نفسه والأهداف ذاتها.

2 - انتفاء الطابع المؤسسي للعمل التطوعي؛ فهذا ينضم إلى الجمعية لوجود أصدقائه فيها، وآخر يسيطر على العمل دون التزام بنظام محدد.. إلخ.

3 - استقطاب عدد كبير من المتطوعين فوق الاحتياج؛ نتيجة لفقد التخطيط السليم.

4 - عدم الاهتمام والعناية بالمتطوعين بعد استقطابهم؛ مما يسبب رحيل كثير منهم، وقد أفادت الدراسات أن المتطوعين يميلون قبل الاستمرار في العمل التطوعي إلى اعتماد أسلوب التجربة أولاً، ومن ثم اتخاذ قرار الاستمرار أو الانقطاع.

5 - استخدام المتطوعين في أي عمل حتى الأعمال المستقرة والنمطية، وهذا ضار؛ فينبغي توظيف عاملين للأعمال الرتيبة والمستقرة، وتفريغ المتطوعين للأعمال التي تحتاج إلى التخطيط والتفكير والتجديد.

6 - إثقال كاهل المتطوع بالأعمال وعدم مراعاة أحواله وقدراته.

ü سادساً: أمثلة من استقطاب المتطوعين:

1 - استقطب الهلال الأحمر السعودي (1000) متطوع من خلال الحملة التي قام بها للتعريف بالتطوع وأهميته، واعتمد فيها على إقامة الندوات، وورش العمل، ومعسكرات التطوع، وفي مدينة الطائف حالياً يبلغ عدد المتطوعين (36) طبيباً وطبيبةً (?) .

2 - استطاعت «دار تنمية الأسرة» بقطر استقطاب (150) متطوعاً من جميع الجنسيات، منهم (92) امرأة؛ وذلك عن طريق إقامة ملتقى للمتطوعات، وأصبح الآن يقام كل سنة.

3 - استطاع «صندوق الزكاة» بقطر من خلال تبنيه لفكرة الدلالة على الفقراء بواسطة المتطوعين من استقطاب عدد كبير؛ كان لهم دور مؤثر في تحقيق نتائج نوعية، وغير مسبوقة (?) .

4 - نجحت «إدارة المتطوعين بالهلال الأحمر» الإماراتي في استقطاب عدد من المتطوعين من خلال نشر استمارة دعوة للتطوع في المؤسسات الحكومية، وتعزيز الدور الإعلامي في مجال العمل التطوعي (?) .

5 - استقطبت «لجنة التعريف بالإسلام» في الكويت (36) داعياً وداعيةً، يتحدثون بلغات مختلفة؛ لدعوة أبناء جالياتهم؛ وذلك من خلال الفروع المنتشرة في البلاد (?) .

6 - أطلقت «إدارة الدفاع المدني» بدبي حملة استقطاب واسعة من خلال مشروع (المسعف المتميز التطوعي) والذي يقوم بتدريب المتطوعين على العديد من مراحل الإسعافات الأولية، ويأمل القائمون على هذا المشروع التطوعي في استقطاب (300) متطوع في نهاية العام (?) .

ü سابعاً: عوائق استقطاب المتطوعين:

1 - حملات الاتهام والدعاوى الجائرة التي تواجهها الجمعيات الخيرية (?) .

2 - عدم وجود أهداف واضحة لدى الجمعية أو المؤسسة الخيرية من استقطاب الكم الكبير من المتطوعين.

3 - عدم تعريف المتطوع بالجمعية، وأهدافها وطرق تنظيمها.

4 - عدم قدرة الإدارة العليا في الجمعية على التعامل مع المتطوعين لغرقها في العمل الروتيني اليومي.

5 - ظن بعض العاملين الرسميين في الجمعية بأن استقطاب المتطوعين يعد تهديداً لأعمالهم ومكانتهم الوظيفية، فلا يحصل منهم أي حماس لفكرة جذب المتطوعين.

6 - عدم مناسبة العمل لقدرات ومؤهلات المتطوعين.

7 - عدم وضوح الإجراءات واللوائح المتعلقة بالجمعية للمتطوعين.

8 - إسناد عملية الاستقطاب إلى شخص حاد الطبع، ومدرسته الإدارية صارمة (?) .

9 - السعي وراء موارد الرزق، وهذا يفسر عدم اهتمام الفقراء بالمشاركة التطوعية.

10 - انتشار نسبة الأمية.

11 - الخبرة السلبية السابقة للمتطوع، والتي يمكن أن تحول بينه وبين أي مشاركة تطوعية أخرى.

12 - قلة الخبرة بالعمل التطوعي وما يتضمنه.

13 - عدم إعلان الجمعيات عن حاجتها لمتطوعين؛ فقد يوجد الكثير ممن لديهم الاستعداد للتطوع، ولكن لا يعلمون شيئاً عن هذه الجمعيات أو ما يحتاجون إليه.

14 - عدم فهم المسؤولين في الجمعيات لدور المتطوعين؛ فبعضهم لا يدرك أهمية مشاركتهم، ولا ما يقدمونه من أدوار مهمة.

15 - المفهوم الخاطئ المتمثل في القيام (بالكل) أو (لا شيء) ؛ فليس صحيحاً أن المتطوع لا بد أن يقوم ببذل الجهد التطوعي طيلة الوقت، وإلا اعتبرت جهوده التطوعية ضعيفة (?) .

16 - ضعف التجربة في الجهد التطوعي.

17 - البعد وضعف المواصلات، خصوصاً في المجال النسائي.

18 - الفهم غير الصحيح لدى بعض المتطوعين لمفهوم التطوع؛ فهو يرى أنه باستطاعته أن يحضر ويخرج كما شاء، وأن يبدأ العمل ويوقفه كما يريد، كما أنه ليس لأحد أن يحاسبه على التقصير، وإتمام العمل وجودته.

19 - عدم تهيئة الأماكن المناسبة للعمل والإنتاج.

20 - عدم تقدير المجتمع للمتطوع.

21 - عدم الجدية والاستمرار في العمل من قِبَل بعض المتطوعين.

22 - تعرض العاملين في العمل التطوعي للقدح والطعن.

23 - تعارض وقت التطوع مع العمل الرسمي أو الدراسة.

24 - زيادة متطلبات الحياة المادية الحديثة.

25 - زيادة معدل التفكك الأسري، وتفكك العلاقات والروابط الاجتماعية؛ نتيجة للبعد بين أفراد الأسرة، وتلبية لمتطلبات العمل.

26 - قلة تشجيع العمل التطوعي.

27 - الكسل والاتكالية.

ü ثامناً: أفكار عملية لاستقطاب المتطوعين:

1 - تقديم حوافز للمتطوعين والمتطوعات، مثلاً: منح المتطوع إجازة مدفوعة الأجر.

2 - إيجاد مراكز ومواقع إلكترونية تقوم بتوفير فرص للعمل التطوعي حسب المناطق، خصوصاً في فترات الإجازات، مع الحض على الانضمام إليها من خلال المراكز الصيفية وبرامج الصيف.

3 - إقامة ملتقى التطوع الخيري.

4 - تخصيص ساعات من أوقات الطلبة في مراحل التعليم النهائية للمشاركة في العمل التطوعي.

5 - تفعيل فكرة التطوع الصيفي لاستقطاب الطلاب في فترات الإجازات السنوية.

6 - إيجاد فرص لأعمال تطوعية للمتقاعدين، ويجري ذلك من خلال الشركة أو المؤسسة التي كان يعمل بها المتقاعد.

7 - نشر استمارات دعوة للتطوع في المؤسسات والشركات والمدارس.

8 - إقامة دورات تدريبية عن التطوع في مختلف مجالاته.

9 - إعداد برامج مرئية في مجال العمل التطوعي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015