مجله البيان (صفحة 5762)

الطابور

إبراهيم بن سليمان الحيدري

يشدك منظر الأزهار بتنوع أشكالها وتباين ألوانها؟ هل وقفت مرة لتتأمل مشهد الغروب الأخَّاذ؟ واحد من تلك المناظر التي تعجبني وأستمتع بالنظر إليها هو منظر (الطابور) .

نعم (الطابور) ! ذلك الصف البشري الذي يتراصُّ فيه الناس بطريقة عفوية بعضهم خلف بعض للحصول على مبتغى مشترك.

إن جَمال (الطابور) ليس في شكله الخارجي، بل في تلك المعاني الجميلة التي تنبعث من خلاله؛ إذ إن (الطابور) ثمرة لمجموعة من القيم والمبادئ التي يؤمن بها المصطفون فيه: أحدها: ثقافة التنظيم التي يؤمن بها المجتمع وتربى عليها فصار سلوكاً يعيشه وتصرفاً يمارسه، فترى الصغير والكبير، المستعجل والمتأني، يندمج فيه بكل عفوية وهدوء. ومن تلك المعاني: العدل؛ فالمعيار فيه واضح ومنصف، والأولوية لمن يأتي أولاً لا لأصحاب النفوذ والعلاقات. ومنها أيضاً أنه ممارسة اجتماعية متكررة لخُلُق الصبر الكريم الذي حث عليه الشارع في أكثر من موضع. وهو في النهاية ترجمة فعلية لاحترام الآخرين والاعتراف بحقوقهم.

(الطابور) كحركة المرور في الشارع مؤشر نسبي على مستوى تحضُّر المجتمع ودرجة رقي تعامل أفراده بعضهم مع بعض، وقوة أو ضعف أجهزته الحكومية.

لا شك أن طوابير العالم ليست كلها متشابهة؛ إذ إن ذلك النوع من (الطابور) الذي لا يتكون إلا من خلال سَوْط جلاَّد أو بعد موجات صوتية من السب وسيل من الشتائم، لا شك أنه لا يحتوي ولا يدل على أي معنى جميل، ولا أظنه منظر يجذب العين أو يدغدغ أصحاب المشاعر المرهفة.

بقي الإشارة إلى أنه ما لم تتطور دولنا العربية لنستطيع أن نطلب الخدمات والسلع من خلال الإنترنت أو الهاتف، ونحصل عليها من خلال البريد فإنه ينبغي أن نمارس (الطابور) عن طواعية، أو أن نرضى بتزاحُمِنا على نوافذ صغيرة وتَكَدُّسِنا عند الأبواب في ممارساتٍ البقاءُ فيها للأقوى جسداً، والأكثر علاقاتٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015