محمد بن عبد الله الدويش
الصالحون كغيرهم من الناس يشاركون الآخرين سائر مشكلاتهم وأزماتهم؛ فهم جزء من المجتمع يتأثرون بما فيه.
وفي المقابل لهم خصوصيات نتيجة تدينهم، أو نتيجة أدوارهم التي يؤدونها في المجتمع، أو نظرة الآخرين لهم، أو توقعاتهم منهم.
ومن أكثر ما يعانيه الصالحون اليوم - كغيرهم من الناس - شأن تربية الأولاد؛ إذ لم تعد الأسرة أو أي مؤسسة تربوية تستقل برعاية نشئها؛ فالواقع مليء مزدحم بالمؤثرات.
وبقدر ما يعيش أولاد الصالحين ثمرات صلاح والديهم وبيئتهم فهم يعايشون أزمات ومشكلاتٍ؛ شأنُهم في ذلك شأن سائر الناس.
لأود الصالحين مكاسب ليست لغيرهم من الآخرين، وهي تتطلب ممن يرعى شأنهم الوعي بها وتوظيف ما يمكن توظيفه منها.
ومن هذه المكاسب:
3 بركة صلاح والديهم؛ فإن صلاح الوالدين له أثره على صلاح أولادهم؛ فقد أخبر ـ عز وجل ـ أن الغلامين اليتيمين في المدينة قد أدركتمها بركة صلاح والديهما: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 82] .
3 ومن آثار صلاح الوالدين أنهما في الأغلب أكثر صلة بالله عز وجل، وأكثر دعاء وتضرعاً له ـ سبحانه ـ بصلاح الذرية، وأنهما في الأغلب أقرب لإجابة الدعاء.
3 البيئة الصالحة المحافظة التي يعيشونها في منازلهم؛ فهي تحميهم من كثير من المؤثرات التي امتلأت بها بيوت الآخرين، وتبعدهم عن التعرض لكثير من العوارض السيئة التي يتعرض لها غيرهم.
3 اعتناء الآخرين بهم، وشعورهم بأنهم محط الأنظار والاهتمام من الآخرين مما يقودهم إلى التحرُّج عن بعض ما يسوغ لغيرهم، وإلى الشعور بأنهم قد يسيئون لأهلهم حين يسايرون الآخرين فيما هم عليه.
والحديث عن الفرص والمزايا واسع، وأغلبها مما لا يحتاج إلى تعداد وتأكيد.
لكن في مقابل ذلك مشكلات يحتاج الوالدان ومن يتعامل مع أولاد الصالحين إلى الوعي بها.
ومن هذه المشكلات:
اعتقاد كثير من الصالحين أن التربية إنما تتم من خلال التوجيه المتصل بالتدين، وأن التدين الشخصي وحده كافٍ في تأهيلهم لمواجهة مشكلات الحياة ومواقفها، ومن ثم يهملون بناء شخصية أولادهم، فيأتيهم الخلل حتى في تدينهم من خلال ذلك، ومن هذا على سبيل المثال:
يحتاج الأولاد في هذا العصر، حتى يواجهوا المؤثرات، إلى: قوة الإرادة والعزيمة، وإلى الثقة بالنفس، ويحتاجون إلى الاستقلالية في الشخصية، وإلى القدرة على التفكير السليم ... إلخ.
فيجهل الوالدان أحياناً أهمية هذه الجوانب، بل ربما قادت كثير من ممارساتهم - التي يسعون من خلالها إلى تنمية التدين لدى أولادهم - إلى الخلل في شخصية أولادهم مما يهيئ فرصاً أكبر لديهم للانحراف.
ومما يتصل بذلك عدم شعور بعض الوالدين بالحاجة إلى تعلُّم ما يعينهم على تربية أولادهم، اكتفاء بما استقر لديهم من أن التربية إنما تتم من خلال تصحيح تدينهم وفق الأسلوب الذي يراه الوالدان.
وللحديث متابعة يتم تناولها بإذن الله في العدد القادم.